حِثَّ، حِثِّيِّينَ، أَرْضِ \لْحِثِّيِّينَ
ظل المستشرقون عددا من السنين منشغلين بمركزين لأمبراطوريتين عظيمتين هما، وادي النيل ووادي الدجلة والفرات، ومن سنة 1871، عندما اكتشفت نقوش في كركميش تمثل أمامنا عنصرا جديدا إذ بدأت معرفتنا بالحثيين واكتشفت أمبراطورية شرقية عظيمة ثالثة، ازدهرت في آسيا الصغرى بين 1900 و1200 ق.م. تقريبا ولا يعرف على وجه التحقيق العنصر الذي ينتمي إليه الحثيون. فهناك جنس منهم يشاهد في آثار مصر له أنف كبير، ويظهر أن الأرمن الحديثين هم من سلالة هذه الأمة. وكان الحثيون قصارا ممتلئي الجسم، ذوي شفاه غليظة وأنوف كبيرة وجبهة مائلة للوراء، وتظهر هذه العلامات على آثار الحثيين. ولم يكن الحثيون ساميين. ويظهر من الآثار أنهم كانوا يرتدون ثيابا ثقيلة، فكانت تصل معاطفهم إلى الركبتين، وزي الرأس مرتفع مصنوع من الصوف. وكانوا يلبسون أحذية منحنية إلى فوق عند الأصابع، مما يبين أنهم جاءوا من جبال ثلجية.وتاريخيا ينبغي أن نميز تمييزا دقيقا بين الأمبراطورية الحثية، والولايات الحثية في شمال سوريا وجنوب شرق آسيا الصغرى. وبحسب علم الحفريات، تنطبق كلمة حثيين على بقايا ثقافة شهيرة فريدة موجودة في آسيا الصغرى، شمال سوريا وشمال العراق. وعلى الرغم من كل المشابهة بين آثار حثي آسيا الصغرى، وتلك التي في شمال العراق وشمال سوريا [بما في ذلك منطقة طورس]، فهناك بعض العوامل التي تبين انفصالا عاما بين الجماعتين. ويظهر إن ثقافة الحثيين الأناضوليين كانت متركزة في كبادوكية، التي تبين أوانيها الفخارية صلات نسب كثيرة بطروادة.وقد جاء الحثيون أي [الناسيون] إلى آسيا الصغرى في وقت مبكر، حوالي سنة 2500 ق.م. والاسم حثيين مشتق من حاتي [أي أناضوليا] التي كانت عاصمتها حتوشاش.ومن المتفق عليه الآن بوجه عام أن اللغة الحثية هي متصلة بكيفية ما باللغات الهندية الأوروبية [الآرية].والمفتاح الحقيقي للمشكلة الحثية اكتشفه هوجو فينكلر الألماني، الذي اكتشف 1906-1907 و1911-1912 في بوغاز كوى (موقع حتوشاش القديمة) نحو 10000 لوحة طينية مجففة منقوشة بحروف آشورية أسفينية أو مسمارية. وهي تمثل عددا من اللغات، السومرية، والأكادية، والحثية وغيرها. والنقوش على الآثار الحثية مكتوبة بالحروف الحثية الهيروغليفية.والكلمة حثي وحثيون [مفرد وجمع] وردت 47 مرة في العهد القديم، بينما وردت كلمة حث 14 مرة أخرى. وكثيرا ما يذكر الحثيون في قائمة الأمم الساكنة كنعان قبل دخول العبرانيين قارن (تك15: 20 وخر3: 8 وتث7: 1، 20: 17 ويش3: 10، 11: 3، 24: 11). وهم ذرية حث ثاني أبناء كنعان. ونقرأ عن إبراهيم إنه اشترى مغارة المكفيلة من عفرون الحثي (تك23: 10-18). واتخذ عيسو امرأتين حثيتين (تك26: 34)، وتزاوج العبرانيون فيما بعد مع الحثيين (قض3: 5 و6). وعندما خاطب حزقيال أورشليم الخائنة، قال في (أصحاح 16: 3) [... مَخْرَجُكِ وَمَوْلِدُكِ مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ. أَبُوكِ أَمُورِيٌّ وَأُمُّكِ حِثِّيَّةٌ] انظر (16: 45). وكان لداود أصدقاء حثيون (1 صم 26: 6). وتزوج بثشبع، امرأة أوريا الحثي (2 صم 11: 2-27). وكان لسليمان نساء حثيات بين نسائه (1 مل 11: 1). وسخر سليمان الحثيين مع غيرهم من الشعوب في أعمال مملكته، (1 مل 9: 20-22 و2 أخ 8: 7-9).وقد اعتبر العبرانيون الحثيين شعبا قويا معروفا، فقد اعترفوا بأرض الحثيين (يش1: 4). ويذكر ملوك الحثيين في جملة واحدة مع ملوك آرام (1 مل 10: 29 و2 أخ 1: 17). ويوضعون في مرتبة واحدة مع المصريين كدليل على عظمتهم (2 مل 7: 6).وكانت مملكة الحثيين في الأصل أرستقراطية أقطاعية، وفي أثناء المملكة القديمة أو الأمبراطورية الأولى (نحو 1900-1650 ق.م) كان النبلاء يتوجون الملك بتخاناس (نحو 1900 ق.م) في كوششارا أو كوساراس (جيور كاليسي الحديثة) جنوب غرب أنقرة، وغزا نيساس [نيسا] إلى جنوب نهر هاليس. وهزم ابنه أنيتاس، كل آسيا الصغرى. وكانت نيساس عاصمته.ونقل مورشيليش الأول (1620) العاصمة إلى حتوشاش وهزم حلب. وفي غارة نهب بابل ووضع نهاية لأسرة حمورابي الأمورية (نحو 1595).وفي سنة 1482 هزم تحتمس الثالث المصري الحثيين في مجدو، وكان عليهم أن يدفعوا له جزية. وقد توغل حتى حلب وعبر الفرات. وكانت جبال طورس الحد الجنوبي للبلاد الحثية عندئذ.وامتد حكم المملكة الجديدة أو الأمبراطورية الثانية من نحو 1450 إلى نحو 1200 ق.م. لكن شوبيلوليوماش (نحو 1395-1355) أعاد فتح الأناضول وهزم الميتانيين وجعل شمال سوريا بين الفرات والبحر المتوسط إلى جبال لبنان مرة أخرى جزءا من الأمبراطورية.وأثناء الأسرة التاسعة عشرة اصطدم المصريون تحت حكم سيتي الأول مع الحثيين في سوريا. وخاض موواتاليش معركة قادش مع رمسيس الثاني نحو 1295، حيث تم جلاء المصريين عن شمال سوريا. وحوالي سنة 1279 عقد حتوشيليش الثالث معاهدة مع رمسيس الثاني على شروط المساواة. وزار الملك الحثي مصر ليحتفل بزواج ابنته الكبرى برمسيس الثاني.وقد قاوم الأخائيون في اليونان الحكم الحثي في آسيا الصغرى. وحوالي سنة 1200 ق.م. سقطت الأمبراطورية الحثية في أيدي شعب إيجي وربما كان هؤلاء من التراقيين والفريجيين.وقد تجمع الحثيون عندئذ، حول كركميش وجعلوها عاصمة لهم، وهناك اتصلوا بالأشوريين. وأخيرا في سنة 717 ق.م. سقطت كركميش في أيدي سرجون الثاني. وهكذا ابتلعت أشور بالتدريج شمال سوريا وشرق آسيا الصغرى. وقد كان الحثيون حلقة الثقافة بين وادي الدجلة والفرات وأوروبا. انظر [كنعان].