غَلاَطِيَّةَ
ولاية في القسم الأوسط من شبه جزيرة آسيا الصغرى. وكان يحدها من الشمال ولايات بيثينية، وبافلاغونيا، وبنطس، ومن الشرق ولايتا بنطس وكبدوكية، ومن الجنوب كبدوكية وليكأونية وفريجية، ومن الغرب فريجية وبيثينية. وقد اشتق اسمها من لقب القبائل الغالية التي هاجرت إلى آسيا الصغرى بعد أن تركت موطنها الأصلي في غرب أوروبا واستوطنت اليونان مدة من الزمن، قبل ميلاد المسيح بعدة قرون. وقد قبلها ملك بيثينية، نيكوميديس، ومنحها أقليم غلاطية لتسكنه، مكافأة لها على مساعدتها أياه في بعض حروبه. ولم تبق حدود غلاطية ثابتة، بل كانت تتبدل، وكان حجمها يتضخم ويتضائل، حسب قوة ملوكها. وفي مطلع القرن الثاني ق.م. خضع الغلاطيون، مع باقي آسيا الصغرى للرومان إلا أنهم احتفظوا ببعض مظاهر استقلالهم، وخاصة في الإدارة الداخلية. ولم يشأ الرومان أن يضغطوا عليهم لأنهم أدركوا قوة الغلاطيون ومتانة أجسادهم وحسن استعدادهم للقتال. وقد استغل آخر ملوكهم، أمينتاس (توفي سنة 25 ق.م) هذه القوة، فتوسع باتجاه الجنوب، واحتل أقاليم فريجية وليكأونية، وفي سنة 7 ق.م. ضموا إليها عدة مقاطعات (بافلاغونيا وبنطس) تحت اسم ولاية غلاطية شبه المستعملة. وهكذا كانت لفظة غلاطية تعني، في أيام الرسل، غلاطية المتوسعة على حساب جاراتها، لا غلاطية الأصلية فقط. ومن أشهر مدن غلاطية تافيوم وأنقرا وبسينوس. وكانت غلاطية من ضمن البلاد التي اهتم بها الرسل الأوائل وأرسلوا إليها الوفود لدعوة سكانها، من يهود ووثنيين، إلى الإيمان بالمسيح. والكنائس التي أسسها بولس في رحلته التبشيرية الأولى: أنطاكية بيسيدية وأيقونية ولسترة ودربة (أع13 و14) وكانت في ولاية غلاطية ويظن بعضهم أن الرسالة إلى أهل غلاطية قد وجهت إليها. وزار بولس غلاطية مع سيلا وتيموثاوس (أع16: 6). ثم زارها بولس في رحلته الثالثة (أع18: 23) حينما جمع المال من المؤمنين فيها لأجل القديسين في أورشليم (1 كو 16: 1). وذكر أن كريسكيس زار غلاطية فيما بعد (2 تي 4: 10) وظن معظم المفسرين أن الكاتب عن غلاطية في هذا العدد بلاد الغاليا (أي فرنسا حاليا). وشمل بطرس الغلاطيين مع المؤمنين الذين وجه إليهم رسالته الأولى (1 بط 1: 1). رِسَالَةُ بُولُسَ \لرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ أنها رسالة وجهها إلى الكنائس في غلاطية التي كانت قد تألفت بعد زيارة بولس لتلك البلاد (غلا1: 2، 4: 14 و15). وقد كتبت أما في أعقاب رحلة بولس التبشيرية الثانية (حول 55 م) أو أثناء رحلته التبشيرية الثالثة (حوالي 57 م). وكتبها بولس بعد أن ترامى إليه أن بعض معلمي التعاليم المغايرة لما علم هو وللحق أخذوا يفسدون عقول الشعب ويغالطون بولس عن خطأ ويدعون إلى التمسك بالتقاليد الموسوية القديمة، وذريعتهم أن المسيحة امتداد لليهودية، وأن طقوس موسى هي أساس المسيحية ويجب عدم التخلي عنها. كما أنهم طغوا على شخص بولس نفسه، وقالوا أنه دخيل على الإيمان، وأن معرفته للإنجيل جاءت غير مباشرة، وليس من مصدرها الأصلي. وربما كان احتدام الصراع بين بولس وهؤلاء هو الذي يزيد في حرارة هذه الرسالة، ومنطقها السليم. تعتبر رسالة بولس إلى الغلاطيين من أهم الوثائق في المسيحية. وهي تبدأ بالمقدمة (1: 1-10) التي يفتتح بولس فيها موضوع خطأهم في الاستماع إلى المبشرين المزيفين، ويؤكد قداسة الكلمة التي نقلها إليهم وكرز بها أمامهم، ثم يدافع عن رسالته التبشيرية بإنها من المسيح مباشرة وليست من إنسان (1: 11-2: 21). ويقول أن الكنيسة في القدس، وباقي الرسل، يوافقون على آرائه (2: 1-10). وأنه ثابت على رأيه (2: 11-21) ويبدأ في الأصحاح الثالث تفسير نظريته بأن الإيمان وحده يبرر الإنسان، لأن الإيمان يجعل الإنسان ابنا لإبراهيم، ولأن الختان وباقي الطقوس ليست لازمة، ويستشهد بولس على ذلك باختبارات الرسل في القدس (3: 1-5). وعلى أقوال الكتاب (3: 6-9) وعلى الإيمان بأن يسوع قد حرر الإنسان من اللعنة(3: 10-14). وأن الله عدل ميثاقه مع إبراهيم، في العهد الجديد، بحيث أصبح ناموس العهد القديم بحاجة إلى تعديل (3: 15-18). ويتابع تفسيراته في الأصحاح الرابع لصحة الأنجيل وقداسته، من حيث بنوة المؤمنين وحقوق البنوة (4: 1-11) ومحبتهم الشخصية له (4: 12-20). وتشبيه الناموس بهاجر في قصة هاجر وسارة (4: 21-31) ويشرح بولس في 5: 1-6: 10 التحرر من الناموس، ويدعوهم لئلا يسيئوا هذا التحرر، وأن يمارسوه يمسؤولية وأخلاص وكتب الرسول ختام الرسالة (6: 11-18) بيده. ويمكننا أن نلخص قيمة هذا السفر، وهو التاسع من أسفار العهد الجديد، بما يلي: أولا: فيه ملعومات عن حياة الرسل، مما يكمل ما ورد في أعمال الرسل. ثانيا: فيه معلومات موافقة الرسل الأوئل على تعاليم بولس، مع أنهم عهدوا إليه بالعمل بين الأمم. ثالثا: أنه يعطي ملخصا سريعا، وعمليا، لبرنامج الخلاص نفسه، الذي نجده في الرسالة إلى أهل رومية: الناموس ذاته غير صالح لتبرير وتخليص الخاضعين له. المسيح نفسه هو سبيل الخلاص لأنه بموته واجه ادعاء الناموس ضد المؤمنين، والناموس لم يوضع ليخلص، وأنما وضع ليوجه ويحذر ويعلم ويمهد للمسيح. هذه الرسالة تكرس إعلان المسيحية دينا عالميا مستقلا وليس مجرد تتمة للدين اليهودي.