\لأَسْفَارُ \لْقَانُونِيَّةُ
في هذا البحث سنحاول أن نوضح كيف حصلنا على الكتب الستة والستين في كتابنا المقدس. ونحن لا نسأل عمن كتب هذه الأسفار، بل عمن جمعها معا، وأعطاها صفة الاستعمال القانوني المقدس. وقد أطلقت الكنيسة المسيحية اسم الأسفار القانونية على أسفار الكتاب المقدس لتكون القانون الوحيد المعصوم للإيمان والأعمال. 1- العهد القديم: هناك رأي يقول أن الذي أضفى صفة القانونية على أسفار العهد القديم هم كتاب الأسفار أنفسهم، وقد شعروا وهم يكتبون بدافع من الروح القدس أنهم يكتبون قوانين الحياة للشعب، ثم أظهرت محتويات ما كتبوه صحة رأيهم وصوابه، فقد كان ما كتبوه قانونا ألهيا حقا. وهناك رأي آخر يقول أن الذي أعطى صفة القانونية لهذه الأسفار هم الكتاب المقودون بالروح القدس، ومعهم قادة الدين من اليهود والمسيحيين الذين قبلوا هذه الأسفار بإرشاد الروح القدس أيضا. غير أنه لم تجمع أسفار العهد القديم معا إلا بعد السبي، وقد زعم بعض اليهود أن عزرا الكاتب هو الذي جمعها على هيئتها الحاضرة، وقد عاونه في ذلك رجال المجمع الكبير. وقد قسم اليهود أسفار العهد القديم إلى ثلاثة أقسام: (ا) التوراة أو الناموس - وهي أسفار موسى الخمسة. (ب) الأنبياء - وينقسمون إلى قسمين: الأنبياء المتقدمون وهي أسفار يشوع والقضاة وسفرا صموئيل وسفرا الملوك (وكل من الآخرين اعتبرا سفرا واحدا) ثم الأنبياء المتأخرون وهم أشعياء وأرميا وحزقيال، والأنبياء الاثنا عشر الصغار (وقد اعتبرت أسفارهم سفرا واحدا) ومجموع عدد هذه الأسفار ثمانية. (ج) والقسم الثالث وهو الكتب. وعدد أسفاره أحد عشر سفرا وهي المزامير والأمثال وأيوب والنشيد والجامعة وراعوث والمراثي وأستير، ودانيال، ثم عزرا ونحميا كسفر واحد، وسفرا الأخبار كسفر واحد. ومجموع عدد هذه الأسفار أربعة وعشرون سفرا. ثم عاد اليهود وأضافوا سفر راعوث إلى القضاة، ومراثي إلى سفر إرميا، فصار عدد الأسفار القانونية 22 سفرا فقط. بعدد حروف الأبجدية العبرية. أما عن حفظ الكتابات المقدسة فيقول سفر الخروج 40: 20 أن موسى أخذ لوحي الشهادة ووضعهما في التابوت، كما يقول سفر التثنية 31: 9 أن موسى كتب التوراة وسلمها للكهنة بني لاوي، وأمرهم بوضعها بجانب التابوت (تث31: 24-26) ويتضح من 1 مل 8: 9 أن لوحي الشهادة كانا محفوظين حتى زمن سليمان، كما أن يهوياداع الكاهن قدمهما إلى يوآش (2 مل 11: 12) وقد نقل رجال حزقيا الملك أمثال سليمان (أم25: 1). ثم أن هذه الكتابات المحفوظة كانت ذات سلطان على حياة الناس، ويتضح هذا من قصة سفر الشريعة الذي غير حياة الشعب (2 مل 22: 8-20) كما يظهر هذا من نح8: 8 وكذلك انظر زك7: 12 ودا9: 2 كما أن بولس يقول هذا في رسالته الثانية إلى تيموثاوس 3: 16. وقد عمل على حفظ كتابات العهد القديم ترجمتها إلى اليونانية بالترجمة المعروفة [السبعينية] والتي بدئت حوالي 250 وأكملت حوالي 150 ق.م. وقد بدأت هذه الترجمة بأمر بطليموس فيلادلفوس الذي كان يحب الكتب، والذي حكم في مصر من سنة 285 ق.م. ومن العهد الجديد نتأكد أن العهد القديم كما هو الآن كامل وله سلطان مطلق، فقد اقتبس منه 275 شاهدا كما اقتبس منه قصص وأفكار، مما يبرهن لنا صحة العهد القديم كما هو بين أيدينا اليوم. وقد قبل رجال الكنيسة الأولون العهد القديم كما هو بين أيدينا اليوم. ويتضح ذلك من كتابات جستن ومارتر حوالي نحو 164 م. ومن كتابات أسقف ساردس الذي ذهب إلى فلسطين خصيصا من أجل هذا الأمر للفحص والبحث في نحو 170 م. ومن أريجانوس الأسكندري حوالي سنة 254 م. ويوجد في نسخ الترجمة السبعينية أسفار لم تجمع ضمن أسفار العهد القديم العبرية وهذه الأسفار تعرف [بالأبوكريفا]. 2- العهد الجديد: وينقسم تاريخ جميع أسفار العهد الجديد إلى ثلاثة أقسام: (ا) القسم الأول من البدء حتى عام 170 م. وقد تمت كتابة جميع أسفار العهد الجديد في القرن الأول المسيحي، وكان لهذه الكتابات السلطان المقدس، فقد طلب بولس الرسول أن تكون لكتاباته السلطة الرسولية الواجبة (1 تس 5: 27 وكو4: 16) وحذر يوحنا الجميع من أضافة شيء أو حذف شيء ما مما كتبه في سفر الرؤيا (رؤ22: 18 و19) واعتبر الرسول بطرس كتابات بولس الرسول ذات سلطة قانونية كبقية الكتب المقدسة (2 بط 3: 16). وقد كان الآباء الأولون يتبادلون الرسائل والكتابات لتعم الفائدة، وهكذا صارت كتابات العهد الجديد معروفة للمسيحيين جميعا. وقد اقتبس أكليمندس الروماني في عام 95 م. من متى ولوقا ورسالة العبرانيين ورومية وكورنثوس وتيموثاوس وتيطس وبطرس وأفسس، وذلك في رسالة كتبها إلى مسيحيي روما. وكتب أغناطيوس رسالة عام 115 م. إلى بوليكاربوس أسقف سميرنا اقتبس فيها الكثير من مختلف أسفار العهد الجديد. وقد قامت هرطقات كثيرة فكرية لمقاومة المسيحيين، فقام الآباء الأولون بالرد عليها من الأناجيل الأربعة وبقية كتابات الرسل. ومن الآباء المدافعين عن الإيمان جستن مارتر وأرستيدس وميلتو من ساردس وثاوفيلس من أنطاكية. (ب) القسم الثاني من 170 إلى 220 م. وهو الوقت الذي انشغلت فيه الكنيسة المسيحية بالمباحث اللاهوتية والعقائدية. وبرز فيه إيريناوس في آسيا الصغرى وأكليمندس الأسكندري وترتليان في شمال أفريقيا ومن كتابتهم يتضح أنه لم يكن هناك نزاع حول الأسفار القانونية في العهد الجديد، إلا أن تحديدها لم يكن واضحا. (ج) القسم الثالث ومدته القرنان الثالث والرابع الميلاديان: اجتمع المجمع المسيحي المسكوني في قرطجنة عام 397 م. وقرر أن الأسفار القانونية هي الأسفار السبعة والعشرون التي بين أيدينا اليوم، والتي تقبلها الكنيسة المسيحية اليوم بكل طوائفها.