عَبَادَةُ \لأَوْثَانِ
والأوثان هي الأصنام والتماثيل وكل شيء يرمز إلى آلهة أخرى، وأي قوة أو قدرة أو كيان طبيعي، غيبي أو ملموس، يكون غير الله وكانت اليهودية والمسيحية في أوائل عهدهما قد نظرتا إلى عبادة الأوثان كانحلال خلقي. والأوثان التي عبدت عند الأمم والشعوب كثيرة، ومتنوعة. منها الكواكب والحيوانات والمزروعات والناس والنيران، ومنها رموزها، كالصور والتماثيل. وقد ذكر الكتاب المقدس الكثير من هذه الأوثان (حز8: 10 ورو1: 23 ودا6: 7 وخر20: 3 و4 وتث5: 8 و9، 6: 114 و15، 8: 19 و20 وإر44: 3-8 وإش44: 12-17 ومز115: 4-8، 135: 15-18 و2 أخ 33: 7). كما أن الكتاب رمز إلى الأوثان ببعض الآثام والمساوئ، كالطمع (كو3: 5). وفي الكتاب المقدس أقسى هجوم سجله كتاب ضد الأوثان وعبادة الأوثان. كما أن الوصيتين الأولى والثانية من وصايا الله العشر لموسى تحرمان عبادة الأوثان: «لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي \لسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي \لأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي \لْمَاءِ مِنْ تَحْتِ \لأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ] (خر20: 3-5). إذ أن اليهودية هي الديانة الأولى في التاريخ التي نادت بالتوحيد وأمرت أتباعها أن يعبدوا إلها واحدا. وعنها انبثقت المسيحية في نظرتها إلى التوحيد. وقد ورد أول ذكر للأوثان في الكتاب المقدس في (تك31: 19) عن سرقة راحيل أصنام أبيها لابان. وتاريخ اليهود حافل بتأثرهم بمختلف المعتقدات الوثنية. فلا بد أنهم تأثروا بها - وهم في سورية. ولما هاجروا إلى مصر وجدوا هناك ديانات وثنية منظمة ذات طقوس وآلهة وفلسفات. وكانت أقامتهم الطويلة في أرض مصر تعطي مجالا لهم لكي يكيفوا نظرتهم التوحيدية حسب ظروف ومفاهيم مصر التي كانت تعبد آلهة متعددة وقتذاك. ولما خرجوا منها، عائدين إلى فلسطين، تسربت معهم تلك المؤثرات الوثنية، وظلت تفعل فيها، بالرغم من أن خلاصهم من العبودية في مصر كان بفضل الله الواحد. بل أن العبرانيين كشفوا عن تأثرهم بالمعتقدات الوثنية من قبل أن يصلوا فلسطين، وهم بعد على الطريق، في سيناء، فقد حملوا هارون، أخا موسى، أن يصنع لهم أصناما ليسجدوا لها ويعبدوها، ومنها العجل الذهبي الذي كان سيد آلهة ممفيس في مصر. واستمر العبرانيون في الخلط بين التوحيد والوثنية، في التوبة إلى الله الواحد ثم النكوث بالعهد والعودة إلى الأصنام المتحجرة حتى أخلصوا لله الواحد أيام يشوع. وما أن وصلوا فلسطين واستقروا فيها حتى أعادوا سيرتهم الأولى، وأخذوا أيام القضاة يخلطون بين الاعتقادين من جديد. بل أنهم أخذوا يبنون المذابح للبعل. وزاد في ابتعادهم عن الله أنهم جاوروا في فلسطين، شعوبا سورية كانت تعبد الآلهة المتعددة والأصنام العريقة بتراثها الديني والأدبي والفني. وكان الله يرسل إليهم القصاص تلو القصاص ليؤنبهم ويعيدهم إلى الدين الحق ويريهم الفرق بين قدرته وبين عجز آلهتهم المستوردة عن قدرة حمايتهم. ثم ظهر صموئيل وداود، فتقوت بهما عبادة الله، ونكب عبدة الأصنام باندحار شديد. غير أن الشعب لم يستمر في توحيده طويلا. فقد ارتد إلى الأوثان أيام سليمان بن داود. بل أن سليمان نفسه مال قلبه وراء الآلهة الغريبة، لتأثره بنسائه الأجنبيات اللواتي احتفظن بمعتقداتهن الوثنية ونقلنها إلى الشعب اليهودي وبنين لآلهتهن المذابح ونشرن طقوسها (1 مل 11: 4). وقام تاريخ مملكتي يهوذا وإسرائيل في فلسطين على محور الصراع بين التوحيد والوثنية. ولم تكن تطول غلبة المعتقد الواحد على الآخر كثيرا، إذ كان حزب كل معتقد يشن الحرب ضد خصمه. وقد تأثر، بهذا الصراع الديني - السياسي، التاريخ اليهودي بأكمله، وعلاقات اليهود مع الدول المجاورة لهم، ومصير استقلالهم السياسي. وظل الأمر كذلك حتى العودة من سبي بابل. وكان الله يعاقب اليهود على ابتعادهم عنه بمعاقبة شديدة وينزل بهم المصائب. ولذلك كان تاريخهم حافلا بالويلات والعداءات. كما أن الشريعة قضت بأعدام من يقدم الذبائح للأوثان. ولذلك كان كل ملك تقي (مثل يوشيا وآسا وحزقيا) يبدأ عهده بتحطيم الأصنام وهدم المذابح والهياكل الوثنية ومنع أي طقس غير توحيدي. وندد أنبياء الله بالمعتقدات الوثنية ودعوا الشعب العبري إلى الأقلاع عنها وتنبأوا للأمم المجاورة، التي كانت مصدر تلك المعتقدات، بالهلاك والدمار والانحلال، وحذروا اليهود من مغبة تقليد جيرانهم وإلا حاق بهم المصير نفسه. وإلى جانب فساد المعتقدات الوثنية لأنها كانت تنكر ألوهية الله الواحد وتقسم صفاته بين عدد من الصور والأصنام البشرية الصنع العديمة القدرة وتنسب ما في الله من صفات أزلية إلى أحجار وأشجار وتراب هي من مخلوقات الله نفسه، إلى جانب ذلك كانت تلك المعتقدات مسؤولة عن الانحلال الخلقي في الشعب. فكان كهنتها يبررون لأنفسهم من الملذات والمحرمات ما حرمه الله، وكانوا يقيمون من الطقوس والتقاليد ما لا ينسجم مع الخلق الحميد. وكانت تلك المعتقدات مصدرا للفساد والسكر والدعارة والسرقة والغش. ونحن نجد جذور الوثنية في أمم كثيرة من قبل اليهود، من أمم الشرق، في ما بين النهرين وسورية ومصر، ثم عند اليونان والرومان والقبائل الجرمانية في أوروبا. ولا يزال عدد كبير من سكان العالم يؤمن بالوثنية إلى اليوم - بل أن أكثر من نصف سكان العالم ما زالوا إلى اليوم لا يؤمنون بالله الواحد. وكانت آلهة العبادات الوثنية القديمة تختلف بين مكان وآخر. وقد غلبت الكواكب والنجوم والشمس والقمر وغيرها من قوى الطبيعة على آلهة الكلدانيين. أما المصريون فكانت معظم آلهتهم في عصور الانحلال من الحيوانات، كالعجل والقط والتمساح. وأخذ سكان سورية، من فينيقيين وأراميين، آلهة الطرفين، العراق ومصر، وخلطوا بينهم، ونقلوها إلى أوروبا، ووحدوا بين أساطيرهم وأساطير جيرانهم. وقد ذكر الكتاب المقدس بعض هذه الآلهة، مثل داجون ومولك والبعل وعشتروت، ومعظمها آلهة سورية الأصل، وزفس وهرمس بين اليونانيين. وبحسب التعليم المسيحي فإن كل ما يميل بالإنسان عن عبادة الله فهو عبادة أوثان (كو3: 5). وقد حذر يوحنا المؤمنين من الأصنام (1 يو 5: 21) أي مما يمكن أن ينظر إليه البشر كأنه يقوم مقام الله.