يهوذا
اسم عبري معناه [حمد] وهو رابع أبناء يعقوب من ليئة، وولد في ما بين النهرين (تك29: 35). وأعطي هذا الاسم لسبب شكر أمه عند ولادته. ولا يذكر العهد القديم كثيرا عنه، ولكنه يذكر بعض حقائق هامة تتعلق به. فقد نال رضى والده وحبه، وحصل على بركته مع أنه أصغر من رأوبين، وشمعون ولاوي )تك49: 8). وكان شهما، وقد تجلى كرم أخلاقه مرتين في قصة يوسف (تك37: 26 إلخ، 44: 16-34). وكان كفيلا لأخيه بنيامين (تك43: 3-10). وبعد رجوعه إلى كنعان انحدر إلى مصر مع بنيه الثلاثة (تك46: 12). وقد ولد له من ثامار أرملة ابنه ابنان آخران هما فارص وزارح. ومما هو جدير بالذكر أن فارص أصبح أحد أسلاف داود والمسيح )مت1: 3-16). سبط يهوذا كان أبرز الأسباط، وفي نزاع مستمر مع سبط أفرايم من أجل الرئاسة والسيطرة على الأسباط. وقد صرح يعقوب في نبوته قبل موته (تك49: 8-12). بقوة يهوذا الحربية (قابل قض1: 1 و2 و1 أخ 14: 17 وإش29: 1) حيث تدعى عاصمته أريئيل أي أسد الله )رؤ5: 5) وبدوام ملكه إلى أن يأتي شيلون (قابل لو2: 1-7 ويو18: 31). وفي هاتين الآيتين يظهر أن قوتهم زالت عند قدوم المسيح. وعندما تم الوعد دمرت أورشليم )مت24: 4-41). وقدم موسى سبط يهوذا على سائر الأسباط في بركته (تث33: 7). وكان يهوذا السبط الأول الذي قسم له نصيبه (يش15: 1). وعندما أخطأ بنيامين اختار الله يهوذا لرئاسة الأسباط وتأديبها (قض20: 18) وفي أثناء الخروج حل سبط يهوذا مع سبط يساكر مقابل خيمة الاجتماع من الشرق (عد2: 3) وكان سبط يهوذا يفوق غيره من الأسباط بكثرة عدده (عد2: 4، 26: 22). ومما ساعد على ذلك اتحاده مع بني القيني (قض1: 16(، وبني القنزي (عد32: 12) وبني كالب (قض1: 12-15 و20(، واندماج الشمعونيين، الذين أخذ عددهم يتضاءل به (عد26: 12-14). وقد حل بنو يهوذا في أرضهم بعد السبي. ومما يذكر عن يهوذا أنه أسدى إلى شاول البنياميني خدمة على جانب من الأهمية. وبعد موته ملكوا داود عليهم في حبرون (2 صم 2: 4). ومن سبط يهوذا خرج بوعز، ويسى، وداود. ومن داود خرج المسيح (لو3: 23 إلخ). أرض يهوذا وصفت في يش15 ولم يمتلكوها كلها، لأن مدن الساحل كأشدود، وغزة، وأشقلون، (عسقلان) وعقلون وغيرها بقيت في أيدي الفلسطينيين. وكانت حدود نصيبهم من البحر المتوسط إلى البحر الميت. ومن بيت حجلة (عين حجلة) إلى الجنوب الشرقي من أريحا وعين شمس قرب بيت عنيا إلى عين روجل ووادي بني هنوم ومياه نفتوح وقرية يعاريم وبيت شمس وتمنة وعقرون ويبنيئيل وهي يبنة الحالية جنوبي يافا (يش15: 5-11). ويظهر أن نهر روبين جنوبي يافا كان التخم الشمالي هناك. ويتضح من ذلك أن أورشليم كانت خارج أرض يهوذا. وكان التخم الجنوبي من بحر لوط الجنوبي إلى نهر العريش. وكان عرض هذه الأرض من الغرب إلى الشرق نحو 50 ميلا وطولها من الجنوب إلى الشمال نحو 45 ميلا ومساحتها أكثر من 2000 ميل مربع. واقتطع من هذه الأرض نصيب لشمعون (يش19: 1-9). وأعطيت مقاطعة جزئه الغربي لدان )يش19: 40-48). وتقسم هذه الأرض إلى أربعة أقسام: 1- الجنوب (تك12: 9، 20: 1 وزك6: 6). وهو على حدود البرية. 2- المنخفض أو السهل بين البحر المتوسط والجبال (يش15: 33-47) وهذا القسم كثير الخصب، غير أن الجزء الأكبر منه بقي في يد الفلسطينيين. 3- الجبال (يش15: 48-60(، وغرست بالزيتون والكرمة. 4- البرية وتمتد من الجبال إلى البحر الميت (يش15: 61 و62). وكان في القسم الجنوبي 29 مدينة وفي السهل 42، وفي الجبال 38، وفي البرية 6 فالمجموع 115 مدينة مع قراها. وأعطيت 13 مدينة في يهوذا وبنيامين وشمعون للكهنة (يش21: 9-19). وافتتح يشوع بعض السهل والجبال (يش10: 28-40، 11: 21-23). وبعد موته أخذ بنو يهوذا وشمعون بعض مدن الفلسطينيين وأورشليم (قض1: 1-20) غير أنه في مدة القضاة لا يذكر إلا القليل عن يهوذا. ولا يذكر إلا قاض واحد من هذا السبط هو عثنيئيل )قض3: 9-11). ويظهر أن شعب يهوذا خافوا آنذاك من الفلسطينيين (قض15: 9-13(، وقدم يهوذا 10000 رجل فقط لجيش شاول (1 صم 15: 4). أما داود فملك سبع سنين ونصف في حبرون (2 صم 2: 11). مملكة يهوذا اشتملت مملكة يهوذا على أرض سبط يهوذا وأكثر أرض بنيامين إلى الشمال الشرقي ودان إلى الشمال الغربي، وشمعون إلى الجنوب. وكانت مساحتها نحو 3500 ميل مربع. وبعد تأسيس مملكة أسرائيل المتحدة افتتح داود أدوم. وكانت ميناء عصيون جابر محطة لتجارة سليمان وغيره من الملوك ومما أعان مملكة يهوذا بعد الانفصال هو أن قصبتها كانت المركز الديني لبني أسرائيل الذين حافظوا على الناموس الموسوي. ثم كانت أقل تعرضا للهجمات الخارجية وكان أهلها معتادين على الحرب. غير أن السامرة ازدهرت بعدئذ، وربما صارت هياكل البعل وعشتاروت فيها أكثر رونقا من هيكل أورشليم. ومما ساعد المملكة الشمالية على الازدهار كثرة أهاليها وخصب أرضها. وتسلسل جميع ملوك يهوذا التسعة عشر من عائلة داود، إلا عثليا ابنة عمري ملك المملكة الشمالية. غير أن الملك لم يكن دائما لبكر الملك. ودامت مملكة يهوذا 135 سنة بعد انهيار مملكة بني أسرائيل وبعد السبي عاد جمع غفير. وقد سمي الذين عادوا من السبي يهوذا، ولم يزالوا معروفين بهذا الاسم إلى أيامنا هذه ودامت هذه المملكة من سنة 975-586 ق.م. أي 389 سنة. واستمرت الحرب بين المملكتين مدة الملوك الثلاثة الأول. ثم انتصر أبيا انتصارا باهرا على يربعام الأول )1 مل 15: 7 و2 أخ 13: 13-20). وبعد ردح من الزمن عقد صلح بين المملكتين المتنازعتين وتحالف آخاب ملك المملكة الشمالية مع يهوشافاط ملك يهوذا )1 مل 22 و2 أخ 18). فتزوج يهورام بن يهوشافاط بعثليا بنت عمري ملك المملكة الشمالية (2 مل 8: 26). وبعد موت أخزيا حاولت عثليا أن تتبوأ عرش المملكة، فأبادت كل النسل الملكي إلا يوآش الذي أنقذته عمته يهوشبع وأخفته إلى أن فتن الشعب على عثليا، فقتلوها، ثم ملكوا يوآش موضعها (2 مل 11: 1 و2). وكانت مصر وسعير عدوين ألدين ليهوذا من الجنوب، وعمون وموآب وأشور وبابل من الشرق. ففي السنة الخامسة من ملك رحبعام غزا شيشق الذي اغتصب عرش مصر في السنة 945 ق.م. فلسطين. وبحسب الأخبار التي نقشها على هيكل طيبة نجح في افتتاح 156 مدينة وقرية من ضمنها المدن القائمة في سهل فلسطين. فسلب رحبعام ذهب الهيكل وفضته ليؤدي الجزية لهذا الفاتح الغريب (2 أخ 12: 2-12). وعندما غزا جيش زارح الكوشي العرمرم يهوذا، هزمه آسا في معركة مريشة (2 أخ 14: 9-13). وفي أيام يوشيا غزا فرعون نخو فلسطين وهزم يوشيا وقتله في مجدو، الحصن الكنعاني القديم (2 أخ 35: 22-24). وعزل نخو يهوآحاز ابنه وملك ألياقيم أو يهوياقيم موضعه (2 أخ 36: 1-4). وكان يؤدي الجزية لمصر. وفي أثناء ملك يهوياقيم نطق إرميا النبي بمعظم مواعظه. وبخطبه الصريحة انتقد جهالة الملك والشعب وجرائمهم وحاول أن يخلصهم من المصيبة التي رآها وشيكة الوقوع. ولكنه لم يفلح. وبينما كان الكلدانيون يغزون يهوذا مات يهوياقيم وخلفه ابنه الشاب يهوياكين. وفي مدة يهوشافاط زحف عمون وموآب وسعير على اليهودية (2 أخ 20: 28). وفي ملك حزقيا انهزم جيش سنحاريب وقتل منه 185000 مقاتل (2 أخ 32: 20 و21 و2 مل 19: 35). وبعد ذلك أخذ رؤساء أشور الملك منسى إلى بابل مقيدا بسلاسل نحاس، غير أنه عندما أحاق به الضيق واستغاث بالرب، رده الرب إلى مملكته (2 أخ 33: 11-13). وفي السنة 597 ق.م. سقطت أورشليم أمام جيش نبوخذنصر فسبى نبوخذنصر حوالي 40 ألفا من اليهود إلى بابل. وكان غرضه من ذلك أن يخلي البلاد من قوادها وكل الذين بإمكانهم أن يضرموا نار حرب ثانية. والذين بقوا من يهوذا ملك عليهم صدقيا أحد أبناء يوشيا. وكان الملك الجديد مائلا للأصغاء إلى صوت إرميا، وللقضاء لخير رعاياه، ولكنه كان عاجزا بين أيدي شرفائه العنيدين. وخضع يهوذا نحو عشر سنين لسلطة نبوخذنصر. وفي السنة 588 ق.م. عصى صدقيا الكلدانيين، فأقام نبوخذنصر معسكره الرئيسي في ربلة على العاصي ومن هذا المركز الاستراتيجي وجه نبوخذنصر ضربته إلى الولايات العاصية فسلم له معظمها في الحال، ولكن أورشليم ثبتت أمام حصار طويل، ولكنها سقطت في يد نبوخذنصر بعدئذ، وغلب الجيش المصري الذي جاء لإنقاذها على حدود فلسطين. وسلبت أمتعة المدينة والهيكل، وهدمت الأسوار، وصارت قصبة يهوذا خرابا يبابا، ونفي نحو خمسة آلاف من أعيانها مع صدقيا إلى بابل (2 أخ 36: 19-21). ولم يشأ نبوخذنصر أن يترك أرض يهوذا خربة كل الخراب فعين جدليا واليا على اليهود الباقين في أورشليم، فاختار الوالي الجديد مقرا لحكومته المصفاة، وتدعى الآن قرية النبي صموئيل، على بعد أربعة أميال ونصف شمالي غربي أورشليم. ولولا اغتيال جدليا خيانة لعاد الشعب إلى يهوذا وتغير مصير هذه المملكة. 2- يهوذا أبو بعض اللاويين الذين كانوا يناظرون على شغل الهيكل (عز3: 9). 3- لاوي تزوج بامرأة غريبة، فحثه عزرا على تركها (عز10: 23). 4- لاوي صعد من بابل إلى أورشليم مع زربابل (نح12: 8). 5- كاهن من الذين ساروا بآلات الغناء عند تدشين الهيكل في أيام نحميا )نح12: 36). 6- بنياميني عاد إلى أورشليم (نح11: 9). 7- يهوذا الأردن (يش19: 34). مدينة في نفتالي لا يعلم سبب تسميتها بهذا الاسم. وربما هي سيد يهوذا بقرب بانياس. 8- يهوذا المكابي محرر اليهود من نير السريان انظر [مكابيون] )1 مكابيين 2: 1-5). 9- رئيس اشترك مع يوناثان في معركة حاصور (1 مكابيين 11: 70). 10- ابن سمعان المكابي (142-134 ق.م) قاد جيشا مع أخيه يوحنا )1 مكابيين 16: 2). 11- قائد يهودي من أورشليم وربما كان نفس يهوذا المكابي انظر آنفا )2 مكابيين 1: 10). أما في العهد الجديد فهناك عدة أشخاص عرفوا بهذا الاسم منهم: 12- يهوذا الأسخريوطي بن سمعان الأسخريوطي (يو6: 71). والتلميذ الذي خان سيده. ولقب بالأسخريوطي تمييزا له عن [يهوذا الآخر] أحد الاثني عشر (لو6: 16 ويو14: 22). وقد يشتق لقبه من أيش كريوت أي رجل قريوت. ولربما كانت خربة القريتين على سفح القسم الجنوبي الغربي من جبال اليهودية. والأسخريوطي هو التلميذ الوحيد بين التلاميذ الذي لم يكن جليليا. ولا نعرف عن حياته الباكرة أكثر مما نعرف عن بقية الرسل. والبشائر لا تروي لنا شيئا عن دعوته. وقد أصبح اسمه تعبيرا للخيانة. وهو يذكر في ذيل قائمة الرسل مقترنا بهذا اللقب الذميم. وحرص كتاب البشائر على تمييزه عن يهوذا الآخر، باسم [الذي أسلمه] (مر3: 19 ولو6: 16(، أو [يهوذا سمعان] )يو13: 2) أما يهوذا الآخر فيسمى [يهوذا ليس الأسخريوطي] (يو14: 22). وقد لبى نداء المسيح، فقد تبعه أسوة بالآخرين، واستمر سائرا معه بعدما تركه الآخرون ولم يعودوا يتبعونه. وخصه يسوع ليكون [أمينا للصندوق] ولكن بدلا من أن يجعله انتخاب يسوع له لهذا العمل، يتغلب على الطمع والأنانية فيه، فقد نبه أنانيته وطمعه وصار سارقا يبتز ما بقي في الصندوق الذي عهد به إليه (يو12: 6، 13: 29). وانتقاده لمريم عندما دهنت قدمي يسوع بالطيب في بيت عنيا (يو12: 1-8). كان دليلا قاطعا على مصانعته وريائه. غير أن طمع يهوذا، وأن كان الباعث الأقوى لخيانته، لكنه لم يكن الحافز الوحيد. لو كان الأمر كذلك، لما اكتفى يهوذا بثلاثين من الفضة وهو مبلغ زهيد، وثمن عبد في تلك الأيام، بل لانتهز الفرصة المناسبة لغنم مبلغ أضخم، ولكان أجدى له أن يبقى أمينا للصندوق، يختلس منه ما تيسر. والحقيقة أن شهوات أخرى كانت تتأجج نيرانها في صدره، فقد ظن القوم أن يسوع جاء ليقيم دعائم ملك سياسي، أرضي، فطمع، كما طمع يعقوب ويوحنا إلى منصب رفيع في هذا الملك، فخاب أمله، وطاش سهمه وأحس نفسه في مرتبة وضيعة ولم يبلغ حتى مكانة الثلاثة المفضلين من زملائه. فتمتلئ نفسه غيرة وهو يرى بطرس ويعقوب ويوحنا الجليليين يفضلون عليه ويؤخذون قبله في بيت يايروس، وعلى جبل التجلي. ومع مرور الزمن يرى أن ملكوت المسيح الذي عقد عليه الآمال الكبار أصبح أمرا مشكوكا فيه، وإلا لماذا أضاع يسوع الفرصة التي كان يمكنه فيها أن يظهر زعيما عظيما وملكا قديرا (يو6: 15). فيعرض عنه وينفر منه، وتستحيل النفرة إلى عداء. ولكن حب المال والظهور والسيطرة لا يعلل خيانة يهوذا تعليلا كافيا مقنعا. وليس من شك بأن حب المال والسلطان كانا عاملين قويين من العوامل التي حدت بيهوذا للسير في طريق خاطئ، رفض يسوع بشمم وأباء، أن يسلك فيه (مت4: 1 إلخ). ولهذا فقد اتفق البشيرون على تعليل واحد لمسلك يهوذا البشع: [دخله الشيطان] (لو22: 3 ويو13: 27). ويؤيد هذا ما قاله يسوع [واحد منكم شيطان] )يو6: 70 و71). أننا نرى من قصة يهوذا أن الله لا يكره أحدا على قبول الخلاص، وأن من يقاوم يسوع يصبح فريسة في قبضة الشيطان. وليست هناك أمكانية ثالثة أو منطقة محايدة، والانتحار هو السبيل الوحيد لمن فقد أيمانه، وأخذ اليأس بتلابيبه. وعندما بانت ليهوذا فعلته الشنعاء مضى وخنق نفسه (مت27: 5). لقد عرف أنه ضل الطريق، ولكنه لم يجد طريق التوبة (مت27: 3). ولسنا نجد وصفا لنهاية يهوذا أصدق من القول الذي جاء في )أع1: 20 و25) فقد حزن بطرس بسبب نكرانه وخيانته لسيده، ولكن حزنه كان إلهيا خلص به، لأنه قاده إلى توبة حقيقية. وأما حزن يهوذا فكان دنيويا، كان مجرد أسف لم يصحبه أي شعور بالندامة، ولهذا هوى به إلى أسفل الدركات. ويتفق ما جاء في )مت27: 5) بأن الدينونة التي نزلت بيهوذا كانت ثمنا للوثة الكريهة. والحقل الذي اشتري بمال دم يظل تذكارا يذكر العالم بخيانة يهوذا لقرون عديدة. وقد أرشد الأعداء إلى المكان الذي كان يقصده يسوع في جثسيماني على منحدر جبل الزيتون فإنه كان يعرفه معرفة تامة ولذا فقد قادهم إليه. ولسنا نعلم بالتأكيد الدور الذي لعبته قبلة يهوذا الغادرة، وكانت التحية المألوفة التي كان يستقبل بها التلميذ سيده عندما يعود إليه. لقد اتسع صدر يسوع حتى النهاية لهذا التلميذ البائس عله يرعوي عن غيه. وعندما صرح للتلاميذ في العشاء الأخير: [أن واحدا منكم سيسلمني] أشار إليه أشارة خفية لم تسترع انتباه أحد، لأنه لم يشأ أن يفضح نواياه الخبيثة أمام الآخرين. ولكن يهوذا أدرك أن يسوع يقصده (يو13: 27-29). وبدل أن يرجع إلى رشده، ازداد غله وغيظه، حتى عندما ناوله [اللقمة] لم يشعر بالأمر إلا يوحنا الذي، بناء على رغبة بطرس، همس في أذن يسوع سائلا: [يا سيد من هو؟] ولم يسمع التلاميذ الآخرون شيئا. أننا نوجز القول بأن خيانة يهوذا ما زالت، على كثرة ما تعرضت له من تحليل ونقد ونقاش، سرا غامضا. ولقد اجتهد الباحثون الشارحون في شرح البواعث الخفية المحتملة التي تمخض عنها عمل يهوذا القبيح، فذهب بعضهم إلى تخفيف الجريمة والتماس بعض العذر له، فقالوا أنه بذلك حقق النبوات الإلهية، وبالأخص النبوة الواردة في (إش53) والمتعلقة ببرنامج الفداء (مت26: 54). ومع ذلك كان يهوذا مسؤولا عن خطيئته حسب قول يسوع [ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الأنسان. كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد] )مت26: 24). كما ذهب آخرون إلى تهويل عمله. على أن جميع المحاولات حتى الآن لم تكن إلا من باب الحدس والتخمين، ولم تقدم لنا صورة كاملة عن شخصية هذا الرجل الغامضة. 13- يهوذا أحد [أخوة الرب] (مت13: 55 ومر6: 3). وكان أقل شهرة من يعقوب في أورشليم. ويظن أنه كاتب رسالة يهوذا. . 14- يهوذا الجليلي الذي أزاغ وراءه جمعا غفيرا في أيام الاكتتاب (أع5: 37) سنة 6 م. ونجح إلى مدة في عصيانه ثم انهزم فهلك. ويذكر يوسيفوس عن رجل ولد في مدينة جملة في جولان، أسس حزبا كحزب الفريسيين، أنما امتاز عن ذلك الحزب بطلب الحرية وعدم الطاعة للرومان. 15- رجل عاش في دمشق في الشارع المسمى بالمستقيم، أقام عنده بولس عقب اهتدائه )أع9: 11). 16- يهوذا الملقب برسابا وكان شخصية معروفة في الكنيسة في أورشليم، ونبيا انتخب مع بولس وسيلا وبرنابا ليحملوا حكم مجمع أورشليم إلى أنطاكية في سورية وكيليكية )أع15: 22 و27 و32). ويظن أنه يوسف التلميذ الملقب برسابا الذي قدم مع متياس لانتخاب بديل ليهوذا منهما للرسولية (أع1: 23). 17- يهوذا أخو يعقوب أو ابنه وأحد الاثني عشر (لو6: 16). ويدعى أيضا لباوس وتداوس (مت10: 3(، وتداوس (مر3: 18(، ويهوذا ليس الأسخريوطي (يو14: 22). رسالة يهوذا أحدى الرسائل الكاثوليكية أي [الجامعة] السبع التي أطلق عليها هذا الاسم لأنها لم توجه إلى جماعة معينة من المسيحيين بوجه الخصوص، بل إلى الكنيسة كلها على وجه العموم. وقد ذكر كاتبها أنه أخو يعقوب، الذي يرجح أنه كان ذلك الشخص الشهير ذا المقام السامي في كنيسة أورشليم. ويرجح أنه أحد الذين يسمون في العهد الجديد [أخوة الرب] (مت13: 55 ومر6: 3). ولا يدعي كاتب الرسالة أنه رسول (ع17). والرسالة عبارة عن نبذة دينية جدلية كتبت في النصف الثاني من القرن الأول. وكان المقصود بها تحذير المؤمنين من المعلمين المضلين الذين ظهروا في الكنيسة في عصر الرسل وكانوا يعتقدون أن الخلاص بالمعرفة دون الأيمان، وفصلوا الروح عن المادة. وهم ما يعرف بمذهب العارفين.(Gnosticism). وقد عكس هؤلاء تعليم النعمة الإلهية المجانية، واتخذوا من ذلك وسيلة للفساد والفجور زاعمين أن الناموس الأدبي يستثني الروحيين. ويبدو أن كاتب هذه الرسالة يكافح على جبهة واحدة مع رسالة يعقوب كما يظهر (يع3: 15). ويظهر لنا في هذه الرسالة مدى الغيظ الذي حرك قلب كاتبها عند وصفه لخصال هؤلاء المعلمين الكذبة، والعزيمة التي بها ينصح المؤمنين أن يستمروا في محبة الله ويجاهدوا في سبيل الأيمان الحقيقي. وفي هذه الرسالة شاهدان لا نجدهما في موضع آخر من الكتاب المقدس وهما: 1- شجار ميخائيل وإبليس بخصوص جسد موسى (ع9). 2- نبوة أخنوخ بخصوص مجيء الرب (ع14). وقد نقلهما من حديث كان محفوظا ومشهورا بين اليهود، الحديث الأول في سفر أخنوخ والثاني في سفر صعود موسى. وهناك مشابهة قوية بين رسالة بطرس الثانية ورسالة يهوذا. ولعل أجمل شيء في الرسالة هو التمجيد العظيم. وكانت للرسالة ميزتها العظيمة في القرن الثاني عندما اصطدمت الكنيسة بمذهب العارفين الأحرار الذين تسربوا إلى صفوفها. وفقدت من أهميتها بزوال ذلك المذهب الذي حاول أن يتخذ من الحرية المسيحية [فرصة للجسد من أجل الشهوات]. أما فحواها فيمكن تلخيصه هكذا: -- تحيات عامة ونصح للمؤمنين أن يحفظوا طهارة الأيمان الذي سلم مرة للقديسين (ع1-4). -- تذكيرهم بدينونة الله للأشرار والمعلمين المضلين الذين يدنسون أجسادهم ويزدرون بالجلال الإلهي (ع5-19). -- حث المؤمنين أن يجتهدوا في بنيان أنفسهم بواسطة فاعلية الروح القدس وأن يشفقوا على الذين هم في خطر الكفر وينقذوهم. وختم الرسالة بتمجيد الله مخلصنا (ع20-25).