مَديِنْةَ بَابِلَ
1- الاسم: جاء اسم بابل من لفظ [باب إيلو] من اللغة الأكادية ومعناها [باب الله] ونفس اللفظ ترجمة الكلمة السومرية [كادنجرا] وتظهر أهمية بابل في العصور القديمة من ورود ذكرها في الكتاب المقدس أكثر من مئتي مرة. وهو اسم العاصمة العظيمة لمملكة بابل القديمة [شِنْعَارَ] المذكورة في تك10: 10، 14: 1 والأسماء الأخرى التي أطلقت على المدينة كثيرة، [تندير] مركز الحياة و[أيريدوكي] المدينة الطيبة أي الفردوس، إذ كان البابليون يعتقدون أن جنة عدن في بقعتها و[سو-أنا] اليد العالية، ويظن أن المعنى ذات الأسوار العالية. 2- تاريخ تأسيسها: جاء في تك10: 9 أن مؤسس [بابل] هو [نمرود] على أن البابليين ينسبونها إلى [مرودخ] إلههم الأكبر وقد بناها مع [أراك وأكد وكلنة] وهيكلها الشهير. ولا يعرف بالضبط تاريخ تأسيسها ولكنه من المؤكد أنه يرجع إلى الأزمنة البدائية (يذكر رجال الحفريات أن الطبقة السفلى لبابل ترجع إلى نحو 40000 سنة ق. م). وصار إلهها الأعظم [مرودخ] رأس مجموعة الآلهة البابلية، بسبب نفوذ بابل كعاصمة، إذ كانت محج عبادته وبسبب مركز برج بابل العظيم الذي كانوا يتناقلون عنه أمورا عديدة (انظر [برج بابل]). وقد بلغت بابل ذروة مجدها في القرن الثامن عشر قبل الميلاد في عصر حامورابي المشترع العظيم من الأسرة البابلية الأولى، وكذلك في القرن السادس قبل الميلاد في عصر الملك نبوخذنصر في الأسرة الكلدانية. 3- وصف أسوارها وبواباتها: وصف [هيرودتس] المدينة فبين أنها تقع في سهل عظيم خصيب مربع الشكل ضلعه نحو 14 ميلا فيكون محيطها نحو 56 ميلا ومساحتها نحو 196 ميلا مربعا. وبما أن هذه المساحة هائلة وبما أن آثار الأسوار لم يعثر عليها في بعض الأماكن فقد تترق الشك إلى هذا التقدير. ومما ذكره [هيرودتس] أن المدينة كانت محاطة بخندق عميق عريض مملوء بالماء. ووراء ذلك سور علوه نحو 300 قدم وعرضه نحو 87 قدما. ومع أن بابل بقيت محجرا يقتلع منه البناؤون مواد البناء لمدة ألفي سنة، إلا أنه لا زال من الغريب أن تختفي كمية الطوب الهائلة هذه بدون أن يترك أي أثر يدل عليها. 4- مركزها وأقسامها وشوارعها وهيكلها: كانت المدينة مبنية على جانبي نهر الفرات. وفي نقطة تقابل السور بالنهر كان ينثني مسافة على الجانبين ليكون حاجزا تعلوه الاستحكامات. وكانت بيوتها ترتفع إلى دورين أو ثلاثة أو أربعة. وشوارعها كانت مستقيمة ويظهر أنها كانت تتقاطع في زوايا قائمة كشوارع المدن العظيمة الحديثة. وكان لكل شارع يصل إلى النهر بوابة نحاسية كبيرة تحميه. وفي داخل السور الخارجي بنوا سورا آخر لا يقل عنه قوة إلا أنه يحصل مساحة أقل. وكانت الأرض بين السورين تستخدم كمزرعة للفواكه أو الخضروات أو كانت تستخدم كمتنزهات. وكل قسم من أقسام المدينة كان يحوي بناءين عظيمين: أحدهما قصر الملك تحيط به استحكامات قوية والآخر هيكل [بيل] وهو بناء له بوابات نحاسية ويمتد فرسخين لكل جانب (الفرسخ ثُمن ميل أي نحو 220 ياردة). داخل هذا المزار المقدس برج صلد في مربع ضلعه نحو فرسخ تعلوه أبراج مدرجة تصل إلى ثمانية. وحول الأبراج مصاعد من التراب في نقطة الوسط منها مسطح يرتاح فيه الصاعد. وعلى أعلى برج منها خلوة (حجرة) كبيرة فيها مقعد وطاولة مذهبة. ليس فيها تمثال ولا يبيت فيها أحد إلا امرأة من الشعب تختارها الآلهة. وفي خلوة أخرى سفلية تجد تمثالا ذهبيا [لبيل] جالسا على كرسيه وموطئ قدميه أيضا من الذهب وبقربه طاولة مذهبة. وكان وزن المعدن الثمين في كل هذه نحو 800 وزنة. وكانت الذبائح الوضيعة فقط تقدم على مذبح ذهبي خارج الخلوة أما الأخرى فكانت تقدم على مائدة أخرى ليست من الذهب. ويظن أن هذا كان برج بابل (تك11). 5- وصف [أكتسياس]: وبمقتضى وصف اكتسياس كان محيط المدينة نحو 360 فرسخا بعدد أيام السنة أي نحو 42 ميلا. وكان يوصل الشرق بالغرب جسر (كبري) على الفرات طوله خمسة فراسخ أي 1080 ياردة بعرض 30 ياردة. وعلى كل من الجانبين من الجسر بني قصر ملكي. وكان القصر الشرقي أبدع من الغربي فقد كانت تحميه ثلاثة أسوار عالية. وذكر [اكتسياس] أن جدران السورين الثاني والثالث كانت من القوالب الملونة تمثل مناظر صيد وقنص النمر والأسد، يطاردها ذكر وأنثى اعتبرها تمثل [نينس وسميراميس]. وكان القصر الغربي أصغر من الشرقي ويحيط به سور واحد عليه صور كالسابقة وبالقرب من الجسر نفق تحت النهر. 6- هيكل بيل والحدائق المعلقة: وذكر اكتسياس هيكل [بيل] الذي كان يعلوه ثلاثة تماثيل: الأول [لبيل] (بيل مردوخ) وعلوه 40 قدما، والثاني لأمه [رهية] (دوكينا وهي دوكي بحسب تعبير الكاتب الدمشقي)، والثالث [لجونو أي بلتيس] قرينة [بيل مردوخ]. أما الحدائق المعلقة الشهيرة فيذكر عنها أنها كانت في مربع ضلعه 400 قدما تعلو مصطبة فوق مصطبة. والعليا منها مزروع عليها أشجار من أنواع مختلفة (أيضا انظر 14). 7- منشآت نبوخذنصر: أو [نبوخذآصر] وهو الذي أكمل السورين العظيمين، ورصف الخنادق بالطوب وعرض سمك السورين اللذين كان قد أنشأ بعضهما أبوه. وكانت البوابات التي أنشأها من خشب الأرز المغشى بالبرنز. وليس من المرجح أن أي هذه الأبواب الضخمة كان من البرنز الصلد كما ظن بعض الكتاب. وحتى يضيف تحصينا آخر للمدينة، أنشأ بحيرة عظيمة وصفها أحدهم بالقول [كان عبورها أشبه بعبور البحر الأعظم] يقصد البحر المتوسط. وأحاط هذه البحيرة بجسور قوية مرصوفة بالطوب الأحمر. 8- هياكل بابل في أيام نبوخذنصر: ومن بين الهياكل التي كانت في أيام [نبوخذنصر] أو أعاد بناءها [أيكوا] مزار [مردوخ] داخل [أيساجيلة] (أي هيكل بيل أوبيلوس) ثم المعبد المدعو [دوازاجا] أي [مكان القضاء والقدر] الذي فيه كان يقام تمثال [ملك آلهة الأرض والسماء] في عيد السنة الجديدة أي في 8 و9 نيسان (إبريل). وهناك كان يعلن الكهنة مستقبل الملك الحاكم وشعبه. ويضارع الإصلاحات في [أيساجيلة] في الأهمية، ما عمله نبوخذنصر في ترميم [أي - تيمن - أنا - كي] المدعو [برج بابل] (انظر [برج بابل]). أن إصلاحات ومنشآت الملك نبوخذنصر الذي إذ كان يتمشى على سطح قصره وانتفخ بالكبرياء فقال [أَلَيْسَتْ هَذِهِ بَابِلَ \لْعَظِيمَةَ \لَّتِي بَنَيْتُهَا؟] (دا 4: 30) هذه الإصلاحات كانت حقا ضخمة وبديعة. والسجل الذي تركه هذا الملك يشير إلى هذه العظمة، كما ويثبتها ما كتبه المؤرخون اليونان بعد ذلك. 9- القوة الحربية: كانت هذه المملكة مؤلفة من أمم وشعوب مختلفة من ساميين وطورانيين وكوشيين وغيرهم. أما أصحاب السلطة فكانوا الساميين. واشتهر شعب هذه المملكة بشدة البأس والأقدام. وفي أيام نبوخذنصر هاجموا جميع البلدان الواقعة ما بين دجلة والنيل. وكان صدى صليل سيوفهم يملأ أعداءهم رعبا. وأما أصوات مركباتهم فكانت كرعد قاصف (إر4: 29 وحز26: 10) وقلما حاقت بهم هزيمة أو أخفقوا في غزوة من غزواتهم. واشتهرت فرسانهم بالبسالة والنجدة. وقد جاء في حب1: 8 شيء من وصف سرعة خيولهم وحدتها. وامتازت جنودهم بجودة رمي السهام وطعن الرماح وضرب السيوف - فحيثما توجهوا توجه معهم الظفر، وحيثما ساروا سار معهم الرعب الذي امتلأت منه قلوب أعدائهم. وهابتهم من أجله جميع الأمم المجاورة، ولا سيما الشعب اليهودي الذي كان يرى شرب كأس الحمام أهون من ملاقاة تلك الجيوش الجرارة. فكانوا يمثلون بالقتلى ويرتكبون في معاملة المسبيين والأسرى ما لم يسبقهم أحد إلى شر منه أو إلى مثله سوى الأشوريين. 10- صناعة بابل: واشتهرت هذه الأمة بجودة الصناعة، كحفر الحجارة الثمينة ورسم الصور على الصخور والآجر (حز23: 14) وقد وجد في آثارهم آنية من زجاج وخزف على هيئات مختلفة بالغة الجمال. وأما منسوجات بابل فكانت على غاية الأتقان منذ القدم ومما يثبت ذلك ذكر رداء شنعاري نفيس في سفر يشوع 7: 21 وقد أتقنوا صنع الأقمشة حتى اشتهرت بضاعتهم هذه عند الرومانيين الذين كانوا يتفاخرون بها ويشترونها بأثمان غالية. قيل أنه كان معلقا في مقصورة الأمبراطور نيرون نسيج بابلي موشى بصور تبلغ قيمته 32300 جنيه إنجليزي. وكانوا فضلا عن أحكام نسجها، يلونونها بألوان غاية في الحسن والأبداع. ويرسمون عليها الأصداف والحيوانات من مفترسة وغير مفترسة. وبالاختصار فقد كانت أقمشتهم فائقة الحسن والجمال، فكانت الأمم المعاصرة لهم ترغب فيها كل الرغبة كما هو الحال في أيامنا الحاضرة بالنظر إلى جودة بعض الأقمشة الشرقية كالبسط الكردية والفارسية، فأن منها ما لا تقل قيمته عما كانت تصنعه بابل. ولا عجب إذا حذا أهل المشرق في هذه الصناعة حذو أسلافهم البابليين، وانتقل إليهم ما كان فيهم من الدراية والحذق والمهارة. 11- لباس أهلها: وأما لباس الطبقات العليا في بابل فكان قميصا من الكتان إلى القدمين، وفوقه حلة من الصوف - وكانت أحذيتهم خفا نعله من الخشب. وأما شعورهم فكانوا يلفونها، بعد دهنها بجميع أنواع الطيب والعطر، بعمامة بيضاء. وأما العامة فكان لباسهم رداء واحدا فقط. 12- علومهم: ومن جملة العلوم التي امتاز بها أهل هذه المملكة علم الفلك ولهم فيه أبحاث دقيقة. فأنهم كانوا يعينون أوقات الخسوف والكسوف قبل حلولها. وقد وصف [هيرودتس] خمس كسوفات ذكرها أولئك الفلكيون القدماء. ومما يستحق الاعتبار في هذا الفن معرفتهم السيارات الخمس، ووضعهم جدولا للثوابت (النجوم) وتعينهم الأبراج، حتى أنهم توصلوا إلى تحقيق طول السنة الشمسية، واخترعوا المزولة أيضا. ولا ينكر عليهم إلا خلطهم علم الهيئة (الفلك) بعلم التنجيم. فكان علماؤهم عرافين ومنجمين وسحرة معا. وكان البابليون يكتبون الخط المسماري على لوحات فخارية، وكانت كتاباتهم تشمل أناشيد دينية وشرائع وبعض القصص عن الخليقة أو الطوفان مثلا، ولذلك شملت كتاباتهم شيئا من التاريخ ومن علوم الفلك والتنجيم وشملت بعض هذه الخطابات والرسائل والوثائق التجارية. 13- ثروتهم وأخلاقهم: كانت بابل (فضلا عن شهرتها العلمية) مدينة ذات تجارة واسعة برا وبحرا. فكان تجارها يجلبون من البلاد المجاورة لهم، الذهب والعاج والقرمز واللؤلؤ، وهذا كانوا يجلبونه من خليج العجم. وهكذا كثرت ثرواتهم وزاد مجدهم وغناهم، فصارت نساؤهم تتزين بجميع أنواع الحلي والمجوهرات، وعاشوا بالتنعم والترفه. على أن كثرة تنعمهم عادت عليهم بالدمار والخراب. وحط التأنق في المعيشة من منزلتهم ماديا وأدبيا. فصارت بناتهم نحيفات ضعيفات البنية. وأخذ الجهل من البابليين كل مأخذ فأدمنوا شرب المسكرات فزادوا تعجرفا وتكبرا، وكثر الفجور بين سكان هذه المدينة حتى كانت العذارى تباع في الأسواق، والنساء يرتكبن الفحشاء، خالعات العذار، سدا لعوزهن، بعد أن كن على أعظم جانب من الغنى واليسر. وكن يستعملن من ضروب الحيل وأنواع التدليس ما يفوق الوصف لأغواء الرجال، وأيقاعهم في أشراكهن أرواء لميولهن الفاسدة. 14- آلهة بابل واضمحلال مملكتها: كان حكام هذه الدولة من النوع المطلق. وديانتها وثنية كما سبق، ومن آلهتهم بيل - ونبو - ومردوخ. وصنعوا لها أصناما لها عديدة وشادوا لها هياكل على غاية من الفخامة كهيكل بيل وبرج نمرود وغيرهما من الهياكل المزخرفة التي أغاظوا بها الله تعالى. فغضب عليهم وسلمهم إلى أيدي غيرهم من الأمم الذين تغلبوا عليهم ودمروا بلادهم وسبوا عيالهم. وحالتها الحاضرة مطابقة لما قاله الله بفم أنبيائه القديسين، إذ يقول: [أمر على مياهها فتنشف أنهارها فيدخلها العدو على حين غفلة]. وقد تم كلامه تعالى في بابل العظيمة حين دخلها كورش الفارسي في سنة 539 ق.م. وأفنى أهلها وقد أخذت الخمرة منهم كل مأخذ. وذكر هيرودتس أن العدو دخل المدينة وأكثر أهلها غافلون فلم يشعروا بالخطر الآتي عليهم، فنهب الأعداء جميع أمتعتهم وأموالهم إذ لم تكن لهم فرصة أن يخفوا منها شيئا. فجاء ذلك طبقا لما قال إرميا النبي 50: 37 [سَيْفٌ عَلَى خَيْلِهَا وَعَلَى مَرْكَبَاتِهَا وَعَلَى كُلِّ \للَّفِيفِ \لَّذِي فِي وَسَطِهَا فَيَصِيرُونَ نِسَاءً. سَيْفٌ عَلَى خَزَائِنِهَا فَتُنْهَبُ]. وقد وردت نبوات أخرى بالقضاء على بابل مثل (أش13 و14: 1-23، 21: 1-10، 46: 1و2، 47: 1-3 وإر50، 51 ورؤ 18: 10 انظر أيضا تحت كلمات [كلديا] و[نبو] و[نبوخذنصر].