أَفَسُسَ
كلمة يونانية معناها [المرغوبة] وهي عاصمة المقاطعة الرومانية آسيا على الشاطئ الأيسر من نهر الكايستر وعلى مسافة ثلاثة أميال من البحر وتجاه جزيرة ساموس. وقد بني لها مرفأ صناعي مما جعل أفسس ميناء بحريا مهما في العصور القديمة. ووادي كايستر هو المدخل الطبيعي إلى قلب آسيا الصغرى. وكان في أفسس هيكل أرطاميس العظيم مما جعل المدينة مركزا دينيا ومزارا لكثيرين من الحجاج.وقد احتل الإغريق الأيونيون مدينة أفسس في القرن الحادي عشر ق.م. وأصبحت عاصمة أيونيا وقد وجد اليونان تشابها بين الألهة الأم التي كانت تعبد هناك والألهة أرطاميس. ووقعت المدينة تحت حكم كريسس ملك ليديا وكورش العظيم ملك الفرس والأسكندر الأكبر وخلفاؤه ومملكة برغامس وفي النهاية وقعت المدينة تحت حكم الرومان عام 133 ق.م.وقد اكتشفت خرب كثيرة من المباني التي رآها بولس الرسول في عصره في أفسس. ولم يبق من هيكل أرطاميس الذي كان إحدى عجائب الدنيا السبع سوى الأساسات، وكثيرا ما أعيد بناء هذا الهيكل. وقد كان طوله في عصر بولس الرسول 342 قدما وعرضه 164 قدما، وكان فيه مئة عامود من الرخام طول كل منها 55 قدما، وقد عمل أعظم فناني اليونان في زخرفة داخله وتزيينه. وقد اكتشفت نماذج فضية لهذا الهيكل شبيهة بما كان يعمله ديمتريوس وغيره من الصياغ (أع19: 24) وتدل النقوش والأسوار والأبنية على تسلط السحر والخرافات على أولئك القوم (قارن أع19: 19). والمسرح الذي تظاهر فيه الصياغ وأحدثوا شغبا ضد المسيحيين (أع19: 29) هو من أكبر المسارح التي بقيت من العالم القديم. وفيه 66 صفا من المقاعد وكان يسع 24500 نفس.وقد نادى بولس برسالة المسيح في المجمع اليهودي وهو في أفسس أثناء رحلته التبشيرية الثانية. وترك هناك برسكلا وأكلا ليحملا الشهادة المسيحية في أفسس (أع18: 18-21) وأقام الرسول بولس أثناء رحلته التبشيرية الثالثة في أفسس مدة لا تقل عن سنتين وثلاثة شهور ينادي في المجمع، وفي مدرسة تيرانس وفي بيوت خاصة (أع19: 8-10، 20: 20) ويظهر نجاح الإنجيل هناك من حرق كتب السحر (أع19: 19) ومن التظاهر الذي قام به الصياغ الذين أصبحت صياغتهم صناعة تماثيل لهيكل أرطاميس في خطر (أع19: 23-41). وقد وقفت سفينة الرسول فيما بعد في هذه الرحلة في ميليتس فأرسل واستدعى شيوخ كنيسة أفسس وطلب أليهم أن يهتموا بالرعية (أع20: 17-38). وقد أرسل بولس إلى أفسس رسالة بيد تخيكس ويرجح أنها كانت رسالة دورية أرسلت إلى كنائس أخرى غير كنيسة أفسس (أف1: 1، 6: 21) ويرجح أن بولس زار أفسس بعد سجنه الأول في روما وأنه ترك تيموثاوس هناك لكي يشرف على سير العمل في الكنيسة (1 تي 1: 3).وبحسب التقليد الذي يوثق بصحته، قضى يوحنا السنوات الأخيرة من حياته وخدمته في أفسس. وكتب سفر الرؤيا وهو في جزيرة بطمس تجاه أفسس وفيها رسالة مدح ورسالة تحذير لكنيسة أفسس (رؤ1: 11، 2: 1). وقد أصبحت المدينة فيما بعد مركزا مهما للمسيحية وقد التأم هناك المجمع الثالث المسكوني في سنة 431 ميلادية.وقد ملأ الطمي الذي يحمله نهر كايستر الميناء. وبعد أن أخذ الأتراك المدينة في سنة 1308 لم يعد بناؤها ومكانها في هذه الأيام مليء بالخرب البارزة التي يسميها الأتراك أفيس. وقد تم فيها القضاء الذي أنذرت به في رؤيا 2: 5.الرِسَالَةُ إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ: كتب هذه الرسالة بولس لما كان سجينا (أف3: 1، 4: 1، 6: 20) وفي الغالب كتبها في رومية حوالي عام 62 ب.م. على أن البعض يظن أنها كتبت أثناء سجنه في قيصرية (أع24: 27) وقد أرسلها [إِلَى \لْقِدِّيسِينَ \لَّذِينَ فِي أَفَسُسَ، وَ\لْمُؤْمِنِينَ فِي \لْمَسِيحِ يَسُوعَ] وقد دلت الأبحاث على أن العبارة [فِي أَفَسُسَ] موجودة في بعض المخطوطات دون البعض الآخر حتى نشأ اختلاف في الرأي من جهة قراء الرسالة، من هم؟ وأين كانوا؟ على أن الرأي الراجح أن الرسالة كانت دورية قصد بها كل الكنائس في مقاطعة آسيا، وبما أن أفسس كانت الكنيسة الرئيسية في هذه المقاطعة فقد جرى التقليد المسيحي المبكر على اعتبارها مرسلة إلى أهل أفسس. وربما كان اسم المرسل إليهم متروكا دون أن يملأ. وتظهر صفتها الدورية هذه من أنه لا توجد في الرسالة أشارات أو مناقشات خاصة بمكان ما بذاته، وهي عبارة عن رسالة تعليمية خلقية في شكل خطاب. وقد أرسلت على يد تخيكس كما أرسلت على يده الرسالة إلى أهل كولوسي (أف6: 21) والتشابه في اللغة والأفكار بين الرسالتين يظهر أنهما كتبتا في نفس الوقت، قارن مثلا (أف1: 1 و2 مع كو1: 1 و2 وأف1: 3 و20، 2: 6، 3: 10، 6: 12 مع كو1: 5، 3: 1-3 وأف1: 6 و7 مع كو1: 13 و14 وأف1: 9، 3: 9، 6: 19 مع كو1: 26، 2: 2، 4: 3 وأف1: 10 مع كو1: 20 و25 وأف1: 11 مع كو1: 12 وأف1: 17 مع كو1: 10 وأف1: 19 و20 مع كو2: 12 وأف1: 20 مع كو3: 1 وأف1: 22 مع كو1: 18 وأف1: 23 مع كو2: 9 وأف4: 22-24 مع كو3: 8-10 وأف4: 32 مع كو3: 13).هذه أمثلة قليلة من كثيرة مما يدل على مقدار التشابه بين الرسالتين. ومن الواضح أن الرسالتين هما من قلم الرسول الواحد في ظروف واحدة. ويظهر أن الرسالة إلى أهل أفسس كتبت بعد الرسالة إلى أهل كولوسي بوقت قصير إذ أننا نجد توسعا في الفكر في الرسالة إلى أهل أفسس على ما هو عليه في الرسالة إلى أهل كولوسي وموضوع الرسالة إلى أهل كولوسي هو [تقدم شخص المسيح وعمله] فهو الأول في كل شيء وعمله أول الأعمال. أما موضوع الرسالة إلى أهل أفسس فهو تأسيس الكنيسة التي هي مجموع المفديين. ويمكن أن يقال أن الرسالة إلى أهل أفسس توجز كل تعاليم الرسول السابقة ليبين أن قصد الله في إرسال ابنه هو فداء شعب مختار لله، الفداء الذي يظهر للعالم غنى نعمة الله. لذا فتفترض الرسالة أن الخلاص هو بالإيمان، كما وتظهر عمل يسوع في الفداء الذي أكمله وفتح الباب على مصراعيه لأقبال الأمم إلى النعمة التي في المسيح يسوع.محتويات الرسالة:1- الجانب الإلهي في تاريخ الكنيسة ص1. فقد بدأت الكنيسة في قصد الله الأزلي (عد3-6) ونفذت بواسطة عمل المسيح (عد7-12) وتثبتت بواسطة ختم الروح (عد13 و14) ويصلي الرسول بولس كي يدركوا رجاء دعوة المسيح التي أول ثمارها هو المخلص المقام في المجد والذي هو أيضا عربون هذا الرجاء وضمانه (عدد 15-23).2- الجانب البشري في تاريخ الكنيسة ص2 وهو يعلمنا أن المختارين قد أنقذوا من الخطية والدينونة بالنعمة المجانية التي لا يستحقونها (عدد 1-10) أنهم مرتبطون ومتحدون معا سواء أكانوا يهودا أم أمما في المسيح الواحد ومتحدون ليكونوا هيكلا واحدا مقدسا للرب (عدد 11-22).3- مركز الرسول كخادم هذا السر الإلهي في الكنيسة (ص3 عدد 1-13) وهو يصلي لأجلهم كي يقدروا ما أعده الله لهم ويتمتعوا به (ص3 عدد 14-21).4- حث على السلوك كما يليق بهذه الدعوة العليا في كل علاقاتهم في الحياة الحاضرة ص4-6.وقبلما كتب الرسول الرسالة ألى أهل أفسس كان قد شاهد قيام الجماعة الروحية الجديدة في العالم، وهي مكونة من أشخاص من أجناس مختلفة. لقد كان يعلم أن هذه الجماعة (أي الكنيسة) هي جسد المسيح وكثيرا ما حث على التناسب والتناسق والتوافق بين أعضاء هذا الجسد الواحد (رو12: 4-8 و1 كو 12: 12-30 وكو1: 18، 2: 19) وهو إذ يكتب الآن إلى كنائس مقاطعة آسيا، وكان أعضاؤها من أجناس ونِحَل متباينة مختلفة، وكانت تسود بينهم نظريات وآراء ترمي إلى الحط من مكانة المسيح، ولذا فقد كان من الطبيعي أن يبرز الرسول بولس مكانة المسيح كرأس هذا الجسد الذي هو الكنيسة (أف1: 22 و23) [\لَّذِي مِنْهُ كُلُّ \لْجَسَدِ مُرَكَّباً مَعاً، وَمُقْتَرِناً بِمُؤَازَرَةِ كُلِّ مَفْصِلٍ، حَسَبَ عَمَلٍ، عَلَى قِيَاسِ كُلِّ جُزْءٍ، يُحَصِّلُ نُمُوَّ \لْجَسَدِ لِبُنْيَانِهِ فِي \لْمَحَبَّةِ] (4: 16 وقارنه مع2: 11-22).والرسالة إلى رومية التي أرسلت من الشرق إلى الغرب تشمل تعاليم الرسول الكاملة عن طريق الخلاص. أما الرسالة إلى أهل أفسس وقد أرسلت من الغرب إلى الشرق، فتشمل أيضا تعليم الرسول الكامل عن كل قصد الله في التاريخ البشري ويمكن أن يقال عنها أنها بلغت الذروة بين تعاليم الرسول اللاهوتية.