قَضَاءَ، قَاضٍ، قُضَاةً
1- من أيام إبراهيم إلى أيام موسى لم يكن نظام للقضاء بل كان رب العائلة هو قاضي العائلة وكاهنها ورئيسها. ولما تنمو العائلة وتصير عشيرة يصبح للعشيرة رئيس يرجع إليه في حل المشاكل التي يتعذر على رب العائلة حلها لا سيما المشاكل التي تحدث بين عائلة وأخرى. ولما قام موسى وقاد بني إسرائيل جذبت شخصيته وحكمته الناس إليه فكانوا يقصدونه لحل المشاكل. فيجلس للقضاء من الصباح إلى المساء كل يوم. فلما رآه حموه على تلك الحال أشار عليه بانتخاب قضاة من رؤساء الأسباط والعشائر ممن عندهم الأمانة وخوف الله وبأن يعلمهم الفرائض والشرائع ويقيم منهم رؤساء ألوف ورؤساء مئات ورؤساء خماسين ورؤساء عشرات فيقضون للشعب كل حين. ويكون أن الدعاوي الكبيرة فقط يجيئون بها إلى موسى (خر18: 13-27). وسن لهم موسى شريعة للقضاء كتبها لهم ووضعها أمامهم (خر21: 1 وص24) فكانت أول شريعة قضائية مكتوبة تستعمل عند بني إسرائيل. وكان موسى يرجع إلى الرب في كل مشكلة صعبة (خر18: 15 ولا24: 12 وعد15: 34). فالله نفسه أصدر الحكم على مريم (عد12: 9-16) وعلى داثان وأبيرام (عد16). وعاخان حكم عليه بالرجم بعد أن كشف الله للقضاة عن جرمه (يش7). وظلوا يعولون على استشارة الله كل عصر القضاة. ولما توطن العبرانيون أرض كنعان وتركوا حياة البداوة حل شيوخ المدينة محل رؤساء العشائر (قض8: 16، 11: 7). وقد قام رؤساء للشعب بعد موسى من أبطالهم الغيورين للرب وللشعب لقبوا بالقضاة لأنهم كانوا يقضون للناس. ولكن الله كان مرجعهم الأخير. فكان الملك هو القاضي العظيم وشيوخ المدينة يقضون تحت يده. وكان يسمح لأحقر شخص أن يصل إلى الملك ليرفع إليه شكواه وليستأنف دعواه. فكانوا يأتون إلى داود من سائر الأسباط (2 صم 15: 2). وكان على الملك أو القاضي الحاكم أن يستشير النبي أو الكاهن العظيم (عد27: 21 و1 صم 22: 5). وذكر أنه كان تحت داود ستة آلاف عريف وقاض (1 أخ 23: 4) ومن إصلاحات يهوشافاط أنه عين قضاة (2 أخ 19: 5-11). وجعل لهم مجلسا ورئيسا من الكهنة في كل أمور الرب ورئيسا علمانيا في ما للملك. وكان السنهدريم أو مجمع اليهود محاكاة وتقليدا لهذا المجلس. وأوصى القضاة بالاستقامة وعدم قبول الرشوة (تث16: 19 ومز82 وأم24: 23). وقد انتشرت عادة الرشوة والظلم في عصر الملوك لدرجة هيجت أنبياء العدل مثل عاموس (عا5: 12 ومي7: 3 وصف3: 3) فنددوا بالظلم والرشوة بشدة وحرارة. وفي مدة الحكم الفارسي أخذ العبرانيون حرية لتطبيق شريعتهم القضائية والدينية (عز7: 25 و26). أما الاختلافات التي كانت تحدث بينهم وبين الأمم المجاورة فكانوا يرفعونها إلى البلاط الفارسي. ومارسوا قضاءهم في مدة الحكم اليوناني والروماني في أغلب الأحوال. ويرجح أنه قد تم في العهد اليوناني تنظيم مجلس السنهدريم في أورشليم ليكون محكمة عليا لهم (اطلب مجمع) وكانت لهم مجامع أخرى في المدن والقرى خاضعة لمجمع السنهدريم يكون عدد أعضاؤها من 7-23 عضوا. وقد أشير إلى هذه المجامع في (مت5: 21 و22 ومر13: 9). 2- القضاة العبرانيون: وهم المذكرون في سفر القضاة وفي سفر صموئيل الأول وكانوا حكاما ذوي سلطة مطلقة وقوادا للعسكر. وقد حكموا من موت يشوع إلى أيام صموئيل النبي (أع13: 20). جدول القضاة ومدة خدمة كل منهم مدة قضائه واستراحة الأرض*خلص الشعب من هؤلاء*اسم القاضي , 40 سنة*كوشان رعشتايم ملك أرام النهرين*عثنيئيل , 80 سنة*عجلون ملك موآب*أهود , غير معروفة*الفلسطينيين*شمجر , 40 سنة*يابين ملك كنعان وسيسرا*دبورة وباراق , 40 سنة*زبح وصلمناع ملكي المديانيين*جدعون , 3 سنوات*……………*أبيمالك , 24 سنة*……………*تولع , 22 سنة*……………*يائير , 6 سنين*بني عمون*يفتاح , 7 سنين*……………*أبصان , 10 سنين*……………*أيلون, 8 سنين*……………*عبدون، 20 سنة*الفلسطينيين*شمشون , 40 سنة*……………*عالي الكاهن, 12 سنة*الفلسطينيين*صموئيل النبي, ولم يرد في الكتاب المقدس جمع لمدد هؤلاء القضاة وكذلك ربما كان بعض منهم معاصرا للبعض الآخر في أجزاء أخرى من البلاد. وكانت بين القضاة بعض المدد التي فيها استعبدت الأمم المجاورة بني إسرائيل فتسلط عليهم عجلون 18 سنة، والفلسطينيون مدة غير معلومة قبلما خلصهم شمجر. ثم تسلط عليهم يابين 20 سنة فخلصتهم دبورة وباراق، ومديان سبع سنين فخلصهم جدعون، والعمونيين 18 سنة فخلصهم يفتاح، والفلسطينيون 40 سنة فخلصهم شمشون. 3- سفر القضاة: سفر يبحث عن تاريخ بني إسرائيل من قبل موت يشوع بقليل إلى آخر أيام شمشون. وينقسم السفر إلى ثلاثة أقسام: (ا) فاتحة (ص1: 1-3: 4) عن كيفية تقدم أسباط بني إسرائيل المختلفة لاحتلال أقسام من أرض كنعان لم يكن يشوع قد احتلها. وتتضمن الأخطاء التي ارتكبوها في مسايرة الكنعانيين حتى تمثلوا بهم وعبدوا البعل. (ب) تضايق الشعب بسبب تخلي الله عنهم لفسادهم. وأخيرا أرسل الله لهم قادة هم القضاة. وكانت يد الرب مع القاضي لتخليصهم من يد أعدائهم. وعند موت القاضي كانوا يرجعون ويفسدون (3: 5-16: 31). (ج) قصتان توضحان الابتعاد عن الله والعبادة الوثنية وكذلك الفساد الذي كان سائدا: 1- افتتاح الدانيين للايش. 2- قصة ميخا والكاهن (17: 1-18: 31). خطيئة البنيامينيين الشنيعة في جبعة والعقاب الذي حل بهم (19: 1-21: 25). زمن كتابة السفر: أجمع علماء الكتاب المقدس على أن ترنيمة دبورة ترجع إلى زمن حدوث هذه الحرب المذكورة فيها، أما القول الوارد في قض17: 6 وغيرها والذي يقول: [وفي تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل]، يدل على أن السفر كتب بعد ارتقاء شاول العرش. ثم في قض1: 21 يقول [مسكن اليبوسيون مع بني بنيامين في أورشليم إلى هذا اليوم]، يدل على أن السفر كان موجودا قبل ملك داود (انظر 2 صم 5: 6 و7). وفي قض1: 29 يقول: [وأفرايم لم يطرد الكنعانيين الساكنين في جازر] وهذا يدل على أن السفر كتب قبل عصر سليمان. فيظهر من هذه الأشارات أن السفر كتب في عصر شاول الملك. كاتب السفر: أما كاتب السفر فلا يذكر السفر نفسه اسم كاتبه ولكن قد ورد في التلمود أن الكاتب هو صموئيل النبي. أما التعليم الذي يستفاد من السفر فهو أن هذا السفر يظهر قضاء الله كما يظهر رحمته وخلاصه وأن الله يتداخل بعنايته في تاريخ البشر. ويمكن أن نجد في السفر هذه الحلقة سبع مرات، وهي تبدأ بذكر خطيئة الشعب وابتعاده عن الله ثم العقاب الذي يوقعه الله على الشعب في صورة ظلم الشعب يقع عليه من بعض أعدائه، ثم صراخ الشعب وتضرعه إلى الرب لإنقاذه، وتوبته ثم إنقاذ الله للشعب على يدي قاض من القضاة. وينبغي أن نفهم أن الله هو الذي اختار هؤلاء القضاة وأقامهم وأرشدهم في مهمتهم بروحه القدوس (6: 34 وغيره) وقد ورد اسم القضاة بين أبطال الإيمان (عب11: 32).