أَيُّوب
اسم عبري. ولا يعرف معناه على وجه التحقيق، ويقول بعضهم أنه قريب من اللفظ العربي آيب فربما يعني الراجع إلى الله أو التائب، ويقول آخرون أنه يعني المبتلى من الشيطان ومن أصدقائه ومن الكوارث التي حلت به. ويقول هؤلاء أن الاسم في هذه الحالة مأخوذ من أيثاب أي [المعادي]. وهو أحد رجال العهد القديم الأبرار وكان يقطن أرض عوص (أي1: 1) وأول من ذكره هو حزقيال (حز14: 14 و16 و20) وكان يعيش في بيئة شبيهة ببيئة الآباء الأولين وفي ظروف مماثلة لظروفهم، وكان يقيم بالقرب من الصحراء في زمن كان يقوم فيه الكلدانيون بغزوات في الغرب (أي1: 17). ولا يوجد مسوغ للشك في حقيقة الاختبارات العجيبة التي جاز فيها وقد ورد ذكرها في سفره. وقد أبرزت هذه الاختبارات مسألة من أهم المسائل وهي: لماذا يسمح الله بأن يتألم البار؟ ثم يسير السفر في معالجة هذه المشكلة في قصيدة شعرية فلسفية رائعة. وقد كتب سفر أيوب الذي يعتبر أحد أسفار الحكمة شعرا في الأصل. ويرسم لنا السفر صورة حية قوية للآلام التي عاناها أيوب والنقاش الذي دار بينه وبين أصحابه بشأن الأسباب التي لأجلها قاسى ما قاساه من ألم، وبشأن إيجاد حل لهذه المشكلة وتذكر المقدمة (1: 1، 3: 2) ومقدمات الخطابات الأخرى وبخاصة خطاب أليهو )32: 1-5) والخاتمة عظمة أيوب واتساع ثرائه في أوائل أيامه ثم في أواخر أيامه لما باركه الرب (أي42: 7-17) وقد كتبت هذه الأجزاء التي ذكرناها في الأصل نثرا أما مشكلة السفر التي أشير إليها آنفا فهي:لماذا يتألم البار؟ والغرض الرئيسي هو دحض النظرية التي تقول أن الألم علامة على غضب الله وعدم رضاه، وأنه لا بد أنه صادر كنتيجة لخطيئة ارتكبها من يقاسي هذا الألم. ومن يدرس العهد القديم يلاحظ أن النجاح كثيرا ما يأتي نتيجة لحياة البر، وأن الشر نذير الفشل والخيبة (قارن خر23: 20 و26 وتث28 ومز37 و63 وإش58: 7-13 وإر7: 5-7، 17: 5-8 و19-27، 31: 29 و30 وحز18) ولذا فعندما يكون هناك استثناء لقانون الثواب والعقاب يصبح سبب حيرة عظيمة وارتياب بالغ، أما في حالة الأبرار فقد كان هناك اتجاه إلى البحث عن الخطيئة التي هي سبب ما يقاسون من ألم بما أن الألم ينتج عن الخطيئة لذا فكل ألم دليل على أنه كانت هناك خطيئة سببت هذا الألم. ومن الواضح أن هذا الاستنتاج مجانب للمنطق السليم. وأيوب في نقاشه لا يدعي أنه بريء كل البراءة من الخطيئة ولكنه يعتقد اعتقادا راسخا أن عقابه (إن كان هناك شيء موجب للعقاب) فأنه لا يتناسب في قسوته مع خطيئته. وتصور فاتحة الكتاب أيوب كرجل أصاب نجاحا كبيرا في حياته ويمتلك الكثير من القطعان والمواشي وله عدد كبير من الخدم وله أسرة كبيرة. وقد سمح للشيطان أن يختبر إيمان أيوب ففقد في الأول مقتنياته وحرم من أسرته ولما فشلت هذه الوسيلة في أخماد إيمان أيوب سمح للشيطان فيما بعد أن يصيب جسده بالآلام ولكن إيمان أيوب ينتصر في النهاية ويعود إلى نجاح فاق نجاحه الأول ويمكن أن يقسم السفر إلى:أولا: مقدمة ص1 و2.ثانيا: محاورات شعرية ص3: 1-42: 6 ويلي ذلك:1- أيوب ينعي يوم مولده ويتمنى الموت ص3.2- ثلاثة سلاسل محاورات بين أيوب وأصحابه ص4-27.(ا) السلسلة الأولى من خطابات أصحاب أيوب وجوابه لهم ص4-14. 1- خطاب أليفاز ص4 و5. 2- رد أيوب ص6 و7. 3- خطاب بلدد ص8. 4- رد أيوب ص9 و10. 5- خطاب صوفر ص11. 6- رد أيوب ص12-14. (ب) السلسلة الثانية من خطابات أصحاب أيوب وجوابه لهم ص15-21. 1- خطاب أليفاز ص15. 2- رد أيوب ص16 و17. 3- خطاب بلدد ص18. 4- رد أيوب ص19. 5- خطاب صوفر ص20. 6- رد أيوب ص21. (ج) السلسلة الثالثة من خطابات أصحاب أيوب وجوابه لهم ص22-27. 1- خطاب أليفاز ص22. 2- رد أيوب ص23 و24. 3- خطاب بلدد ص25. 4- رد أيوب ص26 و27. 3- قصيدة في الحكمة ص28. 4- أيوب يراجع تاريخ حياته ص29-31. 5- خطابات أليهو ص32-37. 6- الرب يتكلم ص38-41. 7- خضوع أيوب ص42: 1-6. ثالثا: خاتمة ص42: 7-17.ويظهر من خلال المحاورات التي دارت بين أيوب وأصحابه أنه كان يشعر شعورا قويا باستقامته، ومع ذلك فأنه لا يستطيع أن يدرك سر اليد التي جاءت عليه بقوة وبقسوة. ويزداد التنازع الداخلي القلبي كلما ازداد اليأس من حالته الخارجية الظاهرة، ولكنه في كل هذه يبقى ثابتا على عزمه راسخا في اعتقاده أنه مهما يقع عليه من سوء ومهما يصيبه من شر، فأنه سيبقى على ثقته بالله واتكاله عليه. ثم يرى بريقا من النور عندما يجول بخاطره أنه في وقت ما ووفقا لمسرة الله ورضاه سيظهر بر أيوب وتعلم براءته. وربما لا يحدث هذا في هذه الحياة الدنيا ولكنه سيحدث يقينا وأنه لا بد آت. وفي هذا اقتناع قوي بالخلود. عندئذ ينطق أيوب بهذا القول الرائع [أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ وَ\لآخِرَ عَلَى \لأَرْضِ يَقُومُ وَبَعْدَ أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هَذَا وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى \للهَ] وبهذا يصل أيوب إلى الأساس الراسخ الذي لا يمكن أن يتزعزع عنه البتة )أي19: 25 و26).ثم في النهاية يتقدم أليهو أحد أصحاب أيوب الذي كان صامتا إلى الآن ويقدم أساسا آخرا، للحوار فبدلا من أن نعتبر الألم كعقاب خطيئة يضع هو اعتبارا آخرا وهو أن الألم كثيرا ما يكون وسيلة إلى تشجيع أولاد الله وتنقيتهم وتطهيرهم. وفي هذه الحالة لا يعبر الألم عن غضب الله بل يكون كمجرد تأديب صادر من أب محب. وفي هذا يظهر أليهو وكأنه يمهد الطريق لمجيء الرب المخلص. ويظهر من أي32-37 أن أيوب قبل هذا الرأي. عندئذ يتكلم الرب ويظهر لأيوب أن معرفة الإنسان ضئيلة قليلة لا تمكنه من أن يدرك كيف يفسر أسرار الله وأحكامه. فيتضع أيوب أمام الرب (أي38: 1-42: 6). وفي الختام يرجع إلى أيوب ثراؤه ونجاحه وتعود أسرة أيوب إلى ما كانت عليه من قبل )أي42: 7-17).وقد قال بعض النقاد بأن أجزاء من سفر أيوب مثل المقدمة والخاتمة ترجع إلى مصادر قديمة. كما قال آخرون أن هناك أجزاء أدخلت إلى السفر بعد كتابته. ولكن من يدرس السفر درسا مدققا ويسير مع اتساق الحوار وتسلسله وسير الفكر المنطقي فيه يقتنع بوحدة السفر، وأن الاتجاه إلى قبول وحدته أقوى كثيرا من الاتجاه إلى تجزئته.أما المنظر الذي تمت فيه حوادث هذه القصيدة الرائعة فهو الهضبة الواقعة شرقي أو جنوبي شرقي فلسطين حيث تقع عوص وتيمان وشوة ونعمة. ويعتقد أن الكاتب كان من أهل فلسطين. ولا يمكن تعيين تاريخ كتابة السفر على وجه التحقيق. وقد ظن بعض النقاد أنه كتب في عصر إرميا. وظن آخرون أنه كتب بعد السبي بسبب الصراع الواضح فيه بشأن الثواب والعقاب. أما لغة السفر ففيها بعض من مؤثرات أرامية أو عربية أرامية، وربما تشير إلى تاريخ متأخر لكتابة السفر. ومع أن بعض العلماء يقولون أنه كتب حالا بعد السبي إلا أن غيرهم يظنون أنه كتب في القرن الرابع قبل الميلاد تقريبا كما أن هناك علماء يعتقدون أنه بما أن البيئة والظروف التي يتحدث عنها السفر تشبه البيئة والظروف التي عاش فيها الآباء الأولون فلذلك يحتمل أنه يرجع إلى الألف الثانية قبل الميلاد.