قُرْبَان
كان القربان جزءا هاما من عبادة العبرانيين بل رافق عبادتهم منذ أول نشأتها. وأول عبادة ذكرت في التوراة هي عبادة قايين وهابيل وكانت بالقرابين (تك4: 3) ثم عبادة نوح الذي خرج من الفلك وبنى مذبحا للرب وأصعد عليه محرقات من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة (تك8: 20). وكان رب العائلة يقوم بتقديم الذبيحة والمحرقة عنه وعن عائلته مثل إبراهيم وأيوب الذي كان يصعد محرقات على عدد أولاده (أي1: 5). ولكن لما قام موسى وضع نظاما دقيقا ومفصلا للقرابين وحصر تقديم الذبائح في الكهنة يعاونهم اللاويون في بعض الأمور. وكانوا يعبرون بالقرابين عن التوبة والاعتراف والكفارة والتكريس والشكر على السلامة أو النجاح وغير ذلك. مادة القرابين: كانت القرابين تقدم من الحيوانات المستأنسة الطاهرة والحبوب وبعض السوائل الزراعية (خر22: 29). أما الحيوانات الطاهرة التي تصلح للذبائح فتشمل من البقر الثيران الفتية والكبيرة. ومن الغنم أي من الضأن والماعز ما كان حوليا أي ابن سنة في الغالب (خر12: 5 وعد28 و29). ولكن في بعض المناسبات لا تحدد الشريعة السن كما في حالة تقديم ذبيحة السلامة التي يجوز فيها أن تكون ذكرا أو أنثى من بقر أو غنم (لا3: 1 و6). وكانوا يقدمون من الطيور اليمام والحمام فقط (لا1: 14). وكان الفقراء يقومون بتقديم زوج يمام أو فرخي حمام عندما يولد لهم ولد ذكر كما قدم يوسف ومريم عن يسوع (لو2: 24) أما غير الفقراء فكانوا يقدمون خروفا حوليا مع طائر واحد (لا12: 6-8) فتقدمة يوسف ومريم تدل على كونهما من الفقراء لا من الأغنياء ولم تسمح الشريعة الموسوية بالذبائح البشرية وقد منع الله إبراهيم من تقديم ابنه (تك22: 9-14) وفي لا18: 21، 20: 2 تحذير من تقديم الأولاد ضحايا لمولك، إله العمونيين، فقد كانوا يقدمون له ذبائح بشرية لا سيما من الأطفال. ولم تكن وحوش البرية أو الأسماك مقبولة كقرابين خلافا لشريعة بابل التي أجازتها. أما القرابين من الحبوب فكانت تقدم كدقيق من الزيت أو اللبان أو بعد أن تخبز أقراصا ملتوتة بزيت أو رقاقا مدهونة بزيت (لا2: 4-6). أما خبز الوجوه الذي كان يصنع أقراصا سميكة توضع على مائدة الرب في كل سبت فلم تكن ملتوتة بالزيت بل كان يوضع لها بعض اللبان (لا24: 5-8). أما باكورات الحبوب فقد كانت تقدم بشكل فريك مشوي وجريش (لا2: 16). وكان الزيت يعد من التقدمات الفاخرة والمحترمة (تك28: 18 ومي6: 7). والخمر كان من السوائل الزراعية التي تقدم للرب مع القرابين الأخرى. وكان للقرطاجيين نظام قرابين يشبه النظام الموسوي في كل شيء إلا من جهة جواز تقديم الذبائح البشرية وتقديم أنواع أخرى من الطيور مع اللبن الذي كان ممنوعا عند العبرانيين. كيفية تقديم الذبائح: كان مقرب الذبيحة يضع يده على رأسها ويعترف بالخطيئة (لا1: 4، 4: 4) ثم يذبحها هو أو الكاهن (لا1: 5 و2 أخ 29: 24). وإذا لم يكن عدد الكهنة كافيا كان اللاويون يساعدونهم على سلخ الحيوانات (2 أخ 29: 34) وبعد سلخ الذبيحة يقطعونها (لا1: 6 و8) ويحرقون ما أمر بحرقه على المذبح وأحيانا كانت ترفع القطع أو تردد أمام الرب. قسمة القرابين: كانت القرابين على نوعين: الأول ما يقدم كله للرب. والثاني ما يخصص قسم منه للرب والقسم الآخر للكهنة أو لهم وللعابدين الذين يقدمونها احتفالا بالعيد. النوع الأول يشمل المحرقات (لا1: 12 و17) وتقدمات الكهنة من الدقيق (لا6: 22 و23). أما التقدمات العامة من الدقيق الملتوت بالزيت واللبان فيأخذ الكاهن ملء قبضته فيوقده تذكارا على مذبح الرب [وَقُودَ رَائِحَةِ سُرُورٍ لِلرَّبِّ] والباقي يكون طعاما للكهنة (لا2: 7-10 و14-16). أما الذبائح التي كان يقدمها الناس الذين يحتفلون بالعيد كذبيحة السلامة (1 صم 11: 15) فأن الكاهن يأخذ منها الصدر فيردده أمام الرب والساق اليمنى التي تسمى ساق الرفيعة (لا7: 30-34). وما يتبقى من الذبيحة يأكله المعيدون أصحاب الذبيحة وقد كانت لهم أعياد سنوية تصطلح عليها كل عائلة أو عشيرة فيجتمع أفرادها المتفرقون فيذبحون ويعيدون معا (1 صم 20: 6). أنواع القرابين: 1- المحرقات وكانت للتكفير عن الخطيئة (عب10: 1-3). وكانت تقدم كل يوم وهي المحرقة الدائمة (خر29: 38-42) ويزاد عليها محرقة يوم السبت (عد28: 9 و10) ويوم التكفير (لا16: 3-34) والأعياد الثلاثة الكبرى (عد28: 11-13 وص29). 2- التقدمة: وكانت من الدقيق مع زيت ولبان (لا2: 1 و4-13) يؤخذ قليل من الدقيق والزيت المقدمين مع كل اللبان ويوقد على المذبح. أو يعمل منه قطائف على الصاج. وأما البقية فكانت للكهنة. وكانت التقدمة خالية من الخمير أو العسل لكنها تمزج بقليل من الملح (لا2: 11 و13). وكانوا يقدمون مع هذه التقدمات سكيبا من الخمر (خر29: 40). وكانت التقدمات تقدم كل يوم مع المحرقة (خر29: 40 و41). 3- خبز الترديد وحزمة الترديد: أما حزمة الترديد فكانت من أولى باكورات الأرض ويقدمونها في عيد الفصح (لا23: 10-14). وأما خبز الترديد فيقدمونه في عيد الخمسين (لا23: 17-20). 4- الرفيعة: وهي من الغلال بعد الحصاد (عد15: 20 و21). 5- ذبائح سلامة: وكانت للشكر أو للتكريس للرب (لا3، 7: 11-13). وكانت من الحيوانات التي يتساهل في أمرها من جهة الجنس والسن ومن أثمار الأرض. 6- ذبائح الخطيئة: وكانت تقدم للتكفير عن الخطايا وقد وردت الشرائع الخاصة بهذه الذبائح في سفر اللاويين في الأصحاحين الرابع والخامس. وكان لا يسمح لمقدمي هذه الذبائح أن يأكلوا أي جزء منها، بخلاف ذبائح السلامة، لأن مقدم هذه الذبائح كان يتقدم إلى الله في عدم استحقاق للشركة معه. فإن هذه الذبائح كانت تقدم للتكفير عن الخطيئة كما سبقت الإشارة إلى ذلك. وقد أشار النبي حزقيال إلى ذبائح الخطيئة في نبواته (حز43: 19 إلخ، 44: 26 و27، 45: 17-23). وتتميز هذه الذبيحة من الجهة الطقسية عن غيرها برش الدم على قوائم باب الدار الداخلية وعلى قرون المذبح الأربعة وحرق الجثة خارج المحلة عندما يكون السبب وقوع الجماعة في خطيئة، وغفلة الجماعة كلها عن تلك الخطيئة (لا4: 13-21). وتسمى هذه الذبيحة بذبيحة خطيئة الجماعة كلها. وفي يوم التكفير يأخذ الكاهن من دم ذبيحة الخطيئة وينضح بأصبعه على وجه الغطاء الذي على الشهادة، إلى الشرق وقدام الغطاء ينضح سبع مرات من الدم بأصبعه (لا16: 2-34) (انظر [يوم الكفارة]). 7- ذبائح الأثم: وتقدم غالبا عن الخطايا الشخصية والتي تحدث سهوا (لا5: 15، 6: 1 إلخ) وتكون الذبيحة غالبا كبشا (لا5: 18). وطريقة تقديمه كطريقة تقديم ذبيحة الخطيئة (لا7: 7). تطور معنى القرابين في العهد القديم: أخذ الكهنة وعامة الناس ينظرون إلى الذبائح من الناحية الطقسية ويظنون أن الدين مجرد طقوس. ولما أهملوا الواجبات الأدبية قام الأنبياء ينددون بهذا النقص. فأكد صموئيل لشاول أن الطاعة أفضل من الذبيحة (1 صم 15: 22) وقال إشعياء: [لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ؟ … بِدَمِ عُجُولٍ وَخِرْفَانٍ وَتُيُوسٍ مَا أُسَرُّ ... تَعَلَّمُوا فِعْلَ \لْخَيْرِ. \طْلُبُوا \لْحَقَّ. \نْصِفُوا \لْمَظْلُومَ] إلخ (إش1: 10-20). وهوشع بين لهم أن الله يريد رحمة لا ذبيحة (هو6: 6) راجع أيضا (عا5: 21-23 ومي6: 6-8 ومز51: 16 و17). ولو أنه لا انتقاد على الذبائح التي كان يقدمها السالكون بالعدل والرحمة وطاعة الله ولكن الانتقاد على الذبائح التي يقدمها الأشرار كما جاء في الأمثال [ذَبِيحَةُ \لأَشْرَارِ مَكْرَهَةُ \لرَّبِّ، وَصَلاَةُ \لْمُسْتَقِيمِينَ مَرْضَاتُهُ] (أم15: 8). معنى القرابين في العهد الجديد: أن القرابين وجدت لكي تذكر شعب إسرائيل بخطاياهم وبقداسة الله التي تطلب التكفير وترمز إلى التكفير بدم يسوع المسيح (عب10: 1-10) وهو حمل الله الرافع خطايا العالم. القرابين في التقليد اليهودي: أضاف التقليد معنى ثانيا إلى كلمة قربان وهو جعلها تدل على النذر الذي ينذر للهيكل فيحرم على غيره. فإذا وضع إنسان يده على شيء أو أشار إليه وقال قربان قصد أن يقول [نذرا علي] فإذا قال الابن العقوق لأبيه [قُرْبَانٌ هُوَ \لَّذِي تَنْتَفِعُ بِهِ مِنِّي] (مت15: 5) أصبح من غير الممكن لأبيه أن ينتفع منه بشيء وبذلك يتخلص من واجب النفقة على أبيه على أن يدفع بعض المال للهيكل. وقد بين المسيح لهم أنهم بهذا التقليد ينقضون وصية الله وهي الوصية الخامسة [أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ].