أَبْرَامَ - إِبْرَاهيِمَ
ومعنى أبرام [الأب الرفيع] أو [الأب المكرم] ومعنى إبراهيم [أبو رهام] أي [أَبُو جُمْهُورٍ] (تك17: 5). وتدرس تحت هذا العنوان المواضيع الآتية:أولا: تاريخ حياته.1- حياته وهو فيما بين النهرين، ومدتها خمسة وسبعون عاما. وهو ابن تارح من نسل سام بن نوح وقد عاش إبراهيم الجزء الأول من حياته مع أبيه وأخوته في أور الكلدانيين وقد تزوج من ساراي وكانت أخته بنت أبيه وليست بنت أمه كما نعرف ذلك من تك20: 12. وبعد موت أخيه هاران، رحل هو وزوجته وتارح أبوه ولوط ابن أخيه من أور ليذهبوا إلى أرض كنعان (تك11: 27-31) بناء على أمر الرب كما أشار إلى ذلك استفانوس انظر أع7: 2-4 فأتوا وأقاموا في حاران حيث مات تارح (تك11: 31 و32) ولما كان إبراهيم في الخامسة والسبعين من عمره رحل هو وزوجته ولوط من حاران إلى أرض كنعان بناء على أمر الرب (تك12: 1) ويحتمل أنهم ذهبوا عن طريق دمشق لأن أليعازر الدمشقي الموكل على بيته كان من هناك (تك15: 2).2- تنقلاته في كنعان ومصر.أقام إبراهيم أولا في شكيم (تك12: 6) ثم ذهب إلى بيت إيل (تك12: 8) وارتحل منها إلى أرض الجنوب تك12: 9) وحدث جوع في الأرض فارتحل من هناك إلى مصر (تك12: 10) وهناك، خوفا على حياته، ذكر لفرعون أن ساراي أخته دون أن يذكر أنها زوجته (تك12: 11-20) ثم من هناك عاد إلى أرض الجنوب في فلسطين (تك13: 1) وذهب من هناك إلى بيت إيل (تك13: 3) ثم افترقا هو ولوط بسبب كثرة أملاكهما. فاختار لوط أن يذهب إلى أرض دائرة الأردن (تك13: 5-12) أما إبراهيم فسكن في أرض كنعان ونقل خيامه وأتى وأقام عند بلوطات ممرا وبقي هناك سنوات عديدة (تك13: 12 و13 و18).وأثناء أقامته عند بلوطات ممرا عمل عهدا مع ملوك الأموريين (تك14: 13. وشن كدرلعومر ملك عيلام وحلفاؤه حربا على ملوك الأموريين فانتصر عليهم وسبى لوطا وأملاكه، ولكن إبراهيم كسرهم واسترجع لوطا والنساء وكل الأملاك (تك14: 1-16) وعند عودته استقبله ملكي صادق ملك شاليم، فأعطاه إبراهيم عشرا من كل شيء. وبارك ملكي صادق إبراهيم (تك14: 17-24) وقد وعده الرب حينئذ بوارث فصدق وعد الرب وآمن به فحسبه له برا وقد وعده الرب بميراث أرض كنعان وأيد له هذا الوعد بعهد (تك15) وأخذ إبراهيم هاجر جاريته المصرية زوجة فولدت له إسماعيل (تك16) ولما كان إبرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر له الرب وغير اسمه من أبرام إلى إبراهيم ووضع له الختان علامة للعهد، وغير اسم ساراي امرأته إلى سارة، وكشف له مضمون العهد أن النسل الوارث سيكون من سارة، وسيدعى اسمه أسحاق ويقيم الرب معه العهد (تك17). ثم أعلن الرب لإبراهيم خراب سدوم وعمورة بسبب شرهما فتشفع إبراهيم لأجل الأبرار هناك فأنقذ الرب لوطا بيد ملاكين (تك18 و19).ومن عند بلوطات ممرا انتقل إبراهيم إلى أرض الجنوب وهناك أرسل أبيمالك ملك جرار وأخذ سارة لأن إبراهيم قال أنها أختي ولكن الرب ظهر لأبيمالك في حلم ولم يدعه يمسها، ولما عاقبه الرب على أخذه سارة ردها إلى إبراهيم. وصلى إبراهيم لأجله ولأجل بيته فرفع الرب العقاب عنه (تك20).وافتقد الرب سارة فحبلت وولدت لإبراهيم ابنا في شيخوخته لما كان ابن مئة سنة. ودعا اسمه أسحاق، وختن إبراهيم أسحاق ابنه (تك21: 1-8). وقد ألحت عليه سارة من جهة هاجر وابنها فسمح له الرب فأبعدهما (تك21: 22-34) وبعد ذلك عمل إبراهيم عهدا مع أبيمالك عند بئر دعيت فيما بعد بئر سبع (تك21: 22-34).ولما كبر أسحاق أراد الرب أن يمتحن إبراهيم فأمره بأن يذهب إلى أرض المريا ويصعد ابنه محرقة هناك. وإذ كان على وشك تقديمه ذبيحة ناداه ملاك الرب قائلا [لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى \لْغُلاَمِ وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئاً] فرفع إبراهيم عينيه ونظر وإذا كبش وراءه ممسكا في الغابة بقرنيه فأخذ إبراهيم الكبش وأصعده محرقة عوضا عن ابنه وبعد ذلك ذهبا معا إلى بئر سبع (تك22: 1-19).ثم رجعوا إلى حبرون وهناك ماتت سارة وكانت سنو حياتها مئة وسبعا وعشرين ودفنها إبراهيم في قبر في مغارة لمكفيلة التي اشتراها من بني حث (تك23).وبعد ذلك أرسل إبراهيم أليعازر الدمشقي إلى ما بين النهرين لكي يحضر لابنه زوجة من عشيرته فأحضر له رفقة بنت بتوئيل. وقابلها أسحاق عند بئر لحي رئي، فاتخذها أسحاق لنفسه زوجة، وكان حينئذ ابن أربعين سنة (تك24، 5: 20).وبعد موت سارة أخذ إبراهيم لنفسه زوجة اسمها قطورة (تك25: 1-5) ومات إبراهيم لما كانت أيام سني حياته مئة وخمسا وسبعين سنة ودفن في مغارة المكفيلة (تك25: 7-10).ثانيا: إيمان إبراهيم.كان آباء إبراهيم يعبدون آلهة غير الرب (يش24: 2 و14) فكانوا في أور الكلدانيين يعبدون آلهة كثيرة وبنوع خاص [نانار] إله القمر وزوجته [ننجال] وكان في أور على مرتفعة عالية بناء يشبه الهرم يسمى باللغة البابلية [زجوراة] وفوق [الزجوراة] معبد للأله [نانار]. أما إبراهيم فقد آمن بالإله الواحد مالك السماء والأرض وإلههما (تك14: 22، 24: 3) وديان الأمم وكل الأرض (تك15: 14 و18: 25) والذي كل قوات الطبيعة طوع أمره ولا يستحيل عليه شيء (تك18: 14، 19: 24،20: 17 و18) وهو الإله العلي المرتفع (تك14: 22) وهو سرمدي أبدي (تك21: 33) ولم يكن الله لإبراهيم الإله الواحد فحسب بل كانت لإبراهيم معه علاقة شخصية وشركة روحية قوية (تك24: 14) ولذلك نال إبراهيم لقب [خَليِل الله] الذي ذكر في الكتاب ثلاث مرات (2 أخ 20: 7، إش41: 8، يع2: 23) أما صفات الله التي نسبها إبراهيم إليه فهي:العدل (تك18: 25)، البر (تك18: 19)، الأمانة واللطف والحق (تك24: 27) الحكمة والرحمة (قارن تك20: 6) وقد آمن إبراهيم أن الله يطلب من البشر أن يتصفوا بالصفات الخلقية التي لله (تك18: 19) وقد أعلن الله ذاته لإبراهيم في الرؤى والأحلام (تك15: 1، 20: 3) والظهور في شكل إنسان أو في شخص ملاك الرب (تك18: 1، 22: 1) وحيثما سكن إبراهيم كان يقيم مذبحا للرب ويدعو باسمه (تك12: 7 و8) وقد قدم صلوات تشفعية لأجل الآخرين ففي تك17: 20 صلى لأجل إسماعيل وفي تك18: 23-32 تشفع لأجل لوط، قارن هذا مع تك19: 20، وفي تك20: 17 صلى لأجل إبيمالك وذلك لأنه عرف بأنه نبي. وقد عمل إبراهيم عهوده ومواثيقه وأقسامه باسم الرب (تك14: 22، 21: 23، 24: 3) وقد قدم عشوره لملكي صادق كاهن الله العلي (تك14: 20) وقد مارس الختان كعلامة للعهد مع الرب (تك17: 10-14) وكان إيمان إبراهيم عظيما إلى الحد الذي عنده كان مستعدا أن يقدم ابنه وحيده إسحاق ذبيحة للرب ولكن الرب منعه من ذلك (تك22: 2 و12). وقد كانت حياة إبراهيم مع الناس مظهرا لإيمانه بالله وقد ظهر هذا في كرمه (تك13: 9، 14: 23، إلخ) وإضافة الغرباء(تك18: 2-8)، وإخلاصه ووفائه وأمانته، وحنوه ورقة عاطفته (تك14: 14 و24، 18: 23-32، 23: 2) وشجاعته (تك14: 14-16) إلا أنه أظهر ضعفا مرتين عندما لم يقل الحق كله في ذكر علاقة سارة زوجته به (تك12: 18، 20: 11).ثالثا: مكانته في الكتاب المقدس.1- في العهد القديم: فإنه من زمن أسحاق وما بعده كان الرب (يهوه) يلقب بإله إبراهيم (خر3: 15) ويذكر الكتاب أن الرب ظهر لإبراهيم (خر6: 3) واختاره (نحميا 9: 7) وفداه (أش29: 22) وباركه هو ونسله وكذلك جعله هو ونسله واسطة بركة لجميع أمم الأرض (تك12: 3، 17: 20، 22: 17 و18) ودعي إبراهيم خليل الله (2 أخ 20: 7 وأش41: 8).2- في العهد الجديد: يدعى إبراهيم في العهد الجديد أبا لبني إسرائيل (أع13: 26) والكهنوت اللاوي (عب7: 5) وأبا للمسيح (مت1: 1 وغلا3: 16)، وأبا لكل المسيحيين كمؤمنين (غلا3: 29 ورو4: 11) أما البركات التي بورك بها فقد وردت في العهد الجديد بأسماء متنوعة منها [\لْوَعْدُ] (رو4: 13) و[بَرَكَةُ] (غلا3: 14) و[رَحْمَةً] (لو1: 54 و55) و[\لْقَسَمَ] (لو1: 73) و[\لْعَهْدِ] (أع3: 25) وقد قال المسيح أن إبراهيم رأى يومه وفرح (يو8: 56) ويذكر العهد الجديد إبراهيم كمثال للتبرير بالإيمان (رو4: 3 و11 و18) وكذلك ذكره كمثال للأعمال الصالحة التي بها أكمل الإيمان (يع2: 21-24) وطاعة الإيمان (عب11: 8 و17) وقد أشار المسيح إلى مكانته السامية بين القديسين في السماء (مت8: 11 ولو13: 28، 16: 23-31).رابعا: إبراهيم والكشوف التاريخية الحديثة.لا يمكن أن نعين على وجه التحديد التاريخ الذي عاش فيه إبراهيم ولكنه ولد، وفقا للتاريخ الذي حسبه الأسقف أشر، حوالي سنة 1996 ق.م. وقد اكتشفت آثار ونقوش في بابل ترجع إلى ذلك العصر ووجد عليها اسم إبراهيم في هذه الصيغ [إبرامو]. [إبمرام] و[إبراما]. وقد أظهرت الكشوف التاريخية الحديثة الحالة التي كانت عليها مدينة أور التي منها خرج إبراهيم كما كانت حينئذ.ويمكننا الآن أن نعرف من تلك الكشوف مقدار ما كانت عليه هذه المدينة من تقدم في المدنية، وكذلك يمكننا أن نعرف نوع الوثنية التي نشأ فيها إبراهيم في أور والتي خرج منها بناء على دعوة إلهية. ويمكننا أن نعرف العلاقة التي كانت بين أور وحاران لأن المدينتين كانتا تعبدان إلها واحدا وهو إله القمر.وكذلك أظهرت الكشوف أن بعض المدن القديمة القريبة من حاران كانت تحمل أسماء أفراد أسرة إبراهيم كما ورد ذكرها في الكتاب المقدس، فمن ضمن هذه مدن فالج وسروج وماحور وتارح (قارن هذه مع تك11: 16-26) وقد أظهرت عقود الزواج التي اكتشفت في مدينة نوزي في شمال ما بين النهرين أن العلائق التي كانت بين إبراهيم وسارة وهاجر كانت وفقا للنظم والقوانين التي كانت سائدة في ذلك الحين في تلك البلاد. ومع أن أسماء الملوك المذكورين في تك14 لم تكتشف بعد إلا أن الكشوف التي وجدت دلت على أن كثيرين من ملوك بابل كانوا يقومون بحملات على كنعان في ذلك الحين. وكذلك دلت الكشوف والبحوث التاريخية على أن الأقاليم المجاورة للبحر الميت أي [أرض دائرة الأردن] كانت عامرة آهلة بالسكان إلى حوالي سنة 2000 ق.م. وبعد ذلك وقعت كارثة مروعة وصفها بعضهم بإنها شبيهة بانقلاب بركاني أو بانفجار ذريع في جوف الأرض اندلعت منه نيران ولهب ارتفعت في الجو ثم نزلت على الناس نزول المطر ونتيجة لذلك خربت تلك البقاع وبقيت بقعا خاليا خاويا مدة قرون عديدة.حضن إبراهيم: [انظر حضن].