فَلْسَفَةَ وفَلاَسِفَةِ

كلمة يونانية معناها [محبة الحكمة]. لقد اختلف الشرق والغرب تاريخيا بالنسبة للفلسفة. فبينما الشرقي حصر تفكيره الفلسفي في نطاق الدين وافتراضاته، تعدى بحث الغربي هذا النطاق إلى نطاق أوسع. فانطبع الشرق بطابع فلسفة أدبية وانطبع الغرب بطابع فلسفة عقلية ميتافيزيقية. ولا بد لطالب الكتاب المقدس من معرفة الفرق بين الفكرين اليوناني والعبري وتطور كل منهما منفردا والتقائهما أخيرا وتأثير أحدهما على الآخر. فقد تناول العقل العبري العالم ونظر إليه من ناحيته التي عرضها عليه الوحي. فاقتبس حكمته من اختبارات الأجيال السالفة الواردة إليه على يد الأقدمين، ومن مراقبته لحياة الإنسان وما وصلت إليه تصرفاته من نتائج، ومن دراسته لتكيفات الطبيعة نحو هدف معين. فتوصل إلى مبادئ صحيحة يضبط بها تصرف الإنسان. ثم سعى لمعرفة مدى تأييد الاختبار البشري للحقائق الدينية. ومن هنا كان صراعه مع التناقضات الظاهرية في سياسة الخالق في الكون، كرفاهية الأشرار وشقاء الأبرار مثلا. ومن هذه المصادر المختلفة والبحوث المتشعبة ثبت لدى الحكيم العبري أن مخافة الله هي بدء الحكمة. ونشطت الفلسفة [أو الحكمة] العبرية على يد سليمان. فقد أولاها اهتماما خاصا فجمع الأقوال المأثورة عن الآخرين. ونطق بحكم جديدة نتيجة لملاحظات عقله الثاقب. ومعظم أمثاله يتعلق بسلوك الإنسان وتصرفاته. وهي تتناول العفة، والاعتدال في المأكل والمشرب، وضبط النفس، والصدق، والوفاء، والسلوك في حضرة العظماء، إلخ. ومن هنا انتقل العقل العبري إلى القيم الأدبية في نطاق أوسع ومدى أبعد. فهو ينظر إلى الحوادث مثلا ليس من حيث نتائجها الشخصية الحالية الحاضرة بل على ضوء تأثيرها على الأجيال المقبلة وعلى ضوء العقاب الإلهي فيما بعد. وأخذ الفيلسوف العبري يدرس الطبيعة، فوجد لله قصدا في كل ما خلقه (مز104: 24)، وللعقل أثرا في كل مكان. ففي خلق الكون وفي دوام وجوده عقل يعمل (أم3: 19). ووجد الحكمة صفة من صفات الله ظاهرة في كل جزء من أجزاء الطبيعة. ثم شخصها (أم1: 20-33، 8: 12). وصورها موجودة منذ الأزل، مبدأة قبل خلق الكون، وحاضرة مع الله عندما أنشأ السماوات والأرض، وأقامها الله سيدا في الكون الذي خلق (أم8: 22-31 وأي28: 12-27). لم يعتبرها الفيلسوف شخصا بالفعل بل شيئا ظاهرا لله محسوسا، فهي المبدأ الذي رسمه الله للعالم. ونمت الفكرة وتطورت عند الكتاب المتأخرين إلى حد أنهم ميزوا الحكمة وفصلوها عن الله أكثر فأكثر (حكمة 7: 22-8: 5، 9: 4 و9) اطلب [حكمة]. يعزى بدء الفلسفة اليونانية إلى الفيلسوف تاليس (حوالي 640 ق.م) وتقسم إلى ثلاثة أدوار: 1- دور المذاهب التي ما قبل سقراط. وقد نشأت عند الجاليات اليونانية في آسيا الصغرى. وجل بحوثها يدور حول العنصر أو العناصر الأساسية التي يتألف منها الكون. فسؤالهم هل الأساس عنصر واحد كالرطوبة أو الهواء? أم أنه كائن سرمدي ثابت لا يتغير? أم توازن القوة الفوري? 2- دور المذاهب السقراطية (469-322 ق.م). ويمثلها سقراط (469-399 ق.م) وأفلاطون (430-347 ق.م) وأرسطوطاليس (384-322 ق.م). وكانت مدينة أثينا يومذاك مركز الفكر الفلسفي. وكانت البحوث متجهة نحو المعنى أو الصورة [أي جوهر الأشياء] ولم تكن مجرد فلسفة عقلية ميتافيزيقية جافة. فأنها كانت مشربة بعنصر أدبي سام. فعن طريق التعليل الاستنتاجي سعى سقراط إلى اكتشاف العنصر الثابت الذي هو أساس وجوهر الظواهر والآراء المتبدلة المتقلبة. كما سعى إلى الحقيقة التي اكتشفها بهذا الصدد تعريفا شاملا. أما أرسطوطاليس فجعل العقل الحكم المطلق فكل نظرية أو عقيدة أو سواها لا يثبت صحتها المنطق مرفوضة لديه. 3- دور المذاهب التي ما بعد المذاهب السقراطية. وكانت الفلسفة قد وصلت أوجها في أرسطوطاليس. وكان البحث قد تحول إلى علم الأخلاق المبني على الفلسفة الميتافيزيقية. وقد صرح أبيقور (342-270 ق.م) بأن حسن الأعمال أو قبحها بنتائجها، وأن اللذة الباقية هي الخير الأسمى. أما زنون الرواقي (336-264 ق.م) فرأيه أن الصفة الأدبية هي في العمل نفسه بقطع النظر عن النتيجة. وشدد على ضرورة الطاعة التامة لما يتطلبه الواجب. أما أصحاب الشك (Skeotics) فرأيهم أن الحقيقة لا يمكن إدراكها عن طريق المعرفة البشرية. وقال الأقدمون في المذهب أننا عندما نقتنع بإننا لا يمكننا معرفة شيء حينئذ لا نعود نهتم أو نبالي، وبذلك ندرك السعادة. توفي الإسكندر سنة 323 ق.م [قبل وفاة أرسطوطاليس بسنة واحدة]. وهكذا فعندما وصلت الفلسفة اليونانية ذروتها بدأت الثقافة اليونانية تدخل فلسطين وتتغلغل بين يهود الشتات. ومع أن الأبيقورية والرواقية نشأتا عند بدء اشتداد الاحتكاك بين الفكرين العبري واليوناني فأن تأثيرهما على الفكر اليهودي كان من الضآلة بحيث لا يقاس مع تأثير أفلاطون وأرسطوطاليس. فقد ظهر تأثير المذاهب السقراطية في الصدوقيين الذين شاركوا أرسطوطاليس في رفض كل ما لا يدعمه العقل. وظهر تأثيرها كذلك بين مفكري اليهود في الإسكندرية وزعيمهم البارز فيلون وكان معاصرا للمسيح (20 ق.م-54 م). فقد تمسكوا بتعاليم موسى. وفي ذات الوقت استقوا ما وافقهم من الفلسفة اليونانية لا سيما من تعاليم أفلاطون. وقد سعوا لأن يثبتوا أن العهد القديم علمها من قبل. وهكذا جمعوا بين موسى وعقائد حكماء اليونان في فلسفة جديدة. ولكي يزيلوا ما بينهما من تناقضات أعطوا الكتاب المقدس تآويل مجازية تعسفية حتى في أقسامه الجغرافية. وظهر تأثير الفلسفة اليونانية كذلك في الجدل. فحسنت أساليبه ووسعت مجاله. ومن أمثلة ذلك الحجة الفلسفية التي قدمها بولس في خطابه في أريوس باغوس وذلك في أول رسالته إلى أهل رومية (أع17: 28-30 ورو1: 19 و20). وظهر تأثيرها كذلك عن طريق الآراء المستعارة منها مباشرة كالقول بسبق وجود النفس (حكمة 8: 19 و20) والمفردات الجديدة بمعانيها الجديدة ككلمة [صورة] بمعنى الجوهر أو مجموع الصفات كما استعملها أرسطوطاليس (في2: 6)، وحسن التمييز في الفكر والدقة في التعبير. أما آراء الغنوسيين أو العارفين أو الأدريين (Gnostics) فقد جاءت فيما بعد من الشرق. وقد جرت محاولة لأدخال مذهب الغنوسة [مذهب العارفين] هذا في المسيحية. فقاوم بولس ذلك وأوضح علاقة المسيح الحقيقية بالله والعالم في رسالته إلى أهل كولوسي.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جدول بالنباتات والحيوانات المذكورة في الكتاب المقدس

أفنيكي

فهرس بجميع الكلمات

آبَلِ بَيْتِ مَعْكَةَ

مجور مسابيب

ميليتس

إِشَعْيَاءَ

رِسَالَةُ - وَرَسَائِلَ

جِبِعُونَ

أَبُلُّوسُ